خليفة جمعة الرميثي

تذكر أدبيات الادارة والتطوير انه في عشرينات القرن الماضي، لاحظت كبرى الشركات الصانعة للمصابيح الكهربائية أن استهلاك الناس للمصابيح منخفض، نتيجة ديمومتها لنحو 1500 إلى 2000 ساعة، فاجتمع رؤساء هذه الشركات في جنيف نهاية سنة 1924، وقرّروا تقصير عمر المصابيح إلى 1000 ساعة فقط، بهدف مضاعفة الإنتاج وزيادة الأرباح.

ومنذ ذلك الوقت خرجت لنا سياسة إنتاجية في الصناعات الاستهلاكية اسمها «التقادم المخطَّط»، ومعناها تقليل العمر الافتراضي للمنتج بعد فترة زمنية من عمله من أجل الاستفادة من اصلاحه أو استبداله، وهي ممارسة ذات عوائد تجارية كبيرة، لأنها تزيد حجم الإنتاج وتعزّز ثقافة الاستهلاك.

في حياتنا اليومية الكثير من المنتجات العاملة بنظام«التقادم المخطط» التي جرى تصميمها كي نتوقف عن استعمالها بعد فترة محددة من الزمن، فعلى سبيل المثال تحتوي معظم طابعات الكومبيوتر على شرائح إلكترونية تعطلها بعد طباعة عدد محدد من الأوراق، بصرف النظر عن حالتها الفنية، ويكون ثمن الطابعة الجديدة أرخص من عبوات الحبر القديمة، وقيس على ذلك اغلب المنتجات الاستهلاكية، فمثلاً الهواتف الذكية التي أصبح المستهلك مضطراً للتخلص منها بسبب عدم دعمها برمجياً لمطابقة أنظمة التشغيل الأحدث، إلا ان شركتا «آبل» و«سامسونغ» واجهتا اتهامات باتباعهما سياسة «التقادم المخطط» عند تصميم منتجاتهما الرقمية.

وفي أكتوبر 2018، قامت السلطات الإيطالية بفرض غرامة مقدارها 10 ملايين يورو على «آبل»، و5 ملايين يورو على «سامسونغ»، بسبب هذه السياسة، وتواجه «آبل» اتهامات جنائية خطيرة بممارسة «التقادم المخطط» في فرنسا، وهي من البلدان القليلة التي تعتبر أن تقصير عمر أي منتج من أجل زيادة المبيعات (جريمة تستوجب العقاب) بالسجن أو غرامة تصل إلى 5 في المائة من قيمة المبيعات السنوية.

واشتكى نشطاء حماية المستهلك في أوروبا من سيطرة الشركات على عملية تصليح الأجهزة، من خلال الإصرار على إصلاحها تحت سيطرة الشركات المصنّعة، لذا وافق البرلمان الأوروبي على قرار يوازن بين تمديد عمر المنتج، مع ضمان توفير قطع الغيار، وسهولة الإصلاح وقابلية استبدال المكونات، كما تدرس 18 ولاية أميركية مشاريع قوانين مماثلة، تستهدف المنتجات ذات المكونات المدمجة التي لا يمكن استبدالها بسهولة، أو تلك التي لا يتوفر لها قطع غيار أو تعليمات صيانة.. والسؤال: نحن وأسواقنا ومستهلكينا ووزاراتنا المعنية بالبيئة وحماية المستهلكين.. ما أخبارنا؟!.


أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟