باسمة أبو شعبان

كنا صغاراً، وكانت السعادة تغمرنا للغاية؛ كلما وضعنا قوقعة من قواقع البحر على آذاننا، نُسَلِّم الوعي ونستسلم للحلم، نُرخي السمع لننعم بصوت الأمواج وهدير مياه البحر، كانت القوقعة بالنسبة لنا أشبه بعالمٍ افتراضي، كنا نصغي بتركيز، وننفصل عن الواقع ونتواصل مع البحر من خلالها، تلملم الأذن الطرية الصغيرة داخلها، وتسكب مسامع صوتية تُدهشنا، دهشة طازجة، ترى أثرها على محيا أطفالٍ صغار، سعداء بالتواصل.

في مرحلة متقدمة من الوعي، وعندما كبرنا قليلاً، وصلنا الخيط بين علبتين، يضع أحدنا علبة على أذنه ويبتعد، ليضع الآخر العلبة على فمه مخاطباً الأول بالعبارة الشهيرة: «ألو ألو.. هل تسمعني.. حول»، في الحال ينقل الأول موقع العلبة إلى فمه، وينقل الثاني علبته إلى أذنه ليستمع للإجابة، كانت النتائج مبهرة، فرغم بعد المسافة التي تصل لعدة أمتار، إلا أن التواصل يتم، لم نكن نقول كلاماً مهماً، كنا فقط نختبر الإختراع العجيب، الذي يمكنه إيصال صوتنا للبعيد البعيد حيث تمتد الأمتار لتصل أحياناً للعشرات، يا له من تواصلٍ يصعب على الطفل تصديقه، وأقصد هنا؛ طفل ذاك الزمان، وليس طفل اليوم.

بالقواقع.. بدأت الصوتيات معنا، بهدف التواصل، ثم تعدتها للعلب الفارغة، والخيط بينهما، حتى وصلت إلى شبكة تمتد آلاف الأميال، وتجمع ملايين البشر، يتواصلون عبر المواقع، لا القواقع.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟

هذه الشبكة الكبيرة، حتماً.. ما هي إلا قوقعة بسيطة بالقياس مع ما هو قادم من أساليب تواصل متقدمة ما زالت قيد الاختبار، تعتمد ربما على شرائح داخلنا، وقد نستغني عن الكلام.. إلى أين نحن ذاهبون؟.