صالح البيضاني

بعثت الثورة العارمة التي اجتاحت العراق بعدد من الرسائل البليغة، التي تعبر عن حقيقة التحولات في المزاج الشعبي العربي، الذي ضاق ذرعاً بالمشاريع الصغيرة التي تصدرها جماعات ما يعرف بالإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، وأولى تلك الرسائل التي بعثتها ثورة العراق تقول إن مشروع ملالي إيران لم يعد مقبولاً في المنطقة، ولا حتى في البلد الذي ظل قاسم سليماني يتفاخر بأنه استطاع أن يلحق عاصمته بدائرة النفوذ الإيرانية الهشة.

الرسالة الأخرى يمكن استخلاصها من الصمت المطبق الذي اتسمت به مواقف الأحزاب الدينية العربية، والتي لم تظهر جزءاً يسيراً من الحماسة لثورة العراق التي شارك فيها الآلاف الذين غصت بهم الميادين والساحات، كما أبدتها لانتفاضة «محمد علي» المزعومة في مصر والتي ظلت قناة «الجزيرة» تسوّق لها من خلال بث إعلامي لم ينقطع على مدار الساعة، حتى بدت القناة في وضع مثير للشفقة، وهي تعيد بث تجمعات لعشرات الأطفال في حي «الوراق» بالقاهرة، في حين تجاهلت صور المظاهرات المليونية في بغداد، ووصفت استخدام الميليشيات الإيرانية للقذائف الصاروخية في قصف المتظاهرين السلميين، بأنها اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين.

ثورة العراق، كشفت كذلك عن ملامح الاصطفافات الجديدة في المنطقة العربية، حيث انحازت تيارات وأحزاب الأيديولوجيا السوداء إلى نظام طهران، أكبر مصدر لفوضى ما بات يعرف بالثورة الإسلامية، كما انساقت دول للاصطفاف مع ميليشيات إيران التي تختطف العراق، ووقفت ضد إرادة الملايين من العراقيين، الذين قالوا لا للمتاجرة بمستقبلهم باسم الدين، والطائفية، والشعارات الجوفاء، التي ظلت الأحزاب الدينية تخدر بها عقول البسطاء لسنوات.

رسالة أخرى بليغة حملتها ثورة الشعب العراقي ضد هيمنة الميليشيات المدعومة من إيران وتردد صداها في ثلاث عواصم أخرى على الأقل، أعلن الإيرانيون أنهم باتوا يسيطرون عليها بواسطة أذرعهم المسلحة في لبنان وسوريا واليمن، وهو ما أثار حفيظة نظام الملالي الذي أدرك أن سقوط أولى قلاعه الطائفية التي أنشأها على جماجم العرب في العراق، إذا تهاوت ستتلوها عواصم أخرى هي أقرب للثورة على الهيمنة الإيرانية، كما هي الحال في اليمن التي لم يتمكن الحوثيون فيها من تغيير الوعي الشعبي، بالرغم من المحاولات الحثيثة لتلويث عقول البسطاء بالأفكار المستوردة حيناً، وإرهاب اليمنيين بالحديد والنار وسياسة التجويع أحياناً كثيرة.

وما حدث في العراق بعد قرابة عقدين من هيمنة أحزاب الميليشيات الإيرانية يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ما فشل الإيرانيون في صنعه في العراق، هم أعجز عن صنعه في اليمن!


أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟