د. معراج أحمد الندوي، أستاذ بجامعة عالية كولكاتا ـ الهند

إن الوعي السياسي والأخلاقي والتاريخي لأي شعب يكمن في مدى معرفته لنفسه، ولتاريخه الوطني، ولتفكير ونوايا ونفسية وأخلاق الساسة، ومدى تقديره واحترامه لشخصيتهم، ومدى قدرته واستعداده للحكم الصائب على أدائهم في مجال قيامهم بواجبهم في خدمة الوطن وازدهاره وحمايته.

الوعي السياسي يحدد للشعب مكانه في الزمان والمكان والمجتمع، وإن أخذ العبرة من أمثولات التاريخ كي لا يعيد نفسه بصراع متناقضاته وعنفه ومآسيه، والشعب العربي بدأ يتطلع إلى مستقبل مشرق، وأن هذه ليست النهاية، وإنما انتقال لمرحلة جديدة يؤكد فيها تفوق الشعب العربي، ودوره الأساسي في خدمة البشرية.

الواقع يؤكد عمق الفجوة بين الشعب والكتل السياسية، وعلى استمرارية غياب العدل في توزيع ثروة البلاد، وكشف صراخات المحتجين للمطالبة بالحقوق الدستورية المشروعة، لأنه ببساطة معظم النواب لا يمثلون الشعب، ولا يؤدون دورهم في إيصال طلباته، كما لا يحترمون قيمة الحياة البشرية، ولا يريدون أن يسهموا في مساعدة الشعب على بناء وعي سليم لواقعه الإنساني والسياسي والتاريخي والأخلاقي، خوفاً على سلطتهم من الزوال.

يحمل الشعب العربي حب الوطن، وله الرغبة والطموح في تحقيق إنجازات مثل تلك التي حققها هزاع المنصوري، كل في مجاله، وما عليه إلا مواصلة العمل الجاد والتعلم والتميز.

ومن هذا المنطلق، نرى أن الشعب العراقي يريد أن تُحل كل المشكلات في يوم واحد خلال انتفاضته، مثل: القضاء على الفساد والهدر في الدولة ومحاسبة الفاسدين واسترجاع مال الشعب المسروق، إلى خلق فرص عمل للشباب، إلى مكافحة تفشي النفايات والأمراض وتلوث الغذاء والماء والدواء.

هذه الصورة لا يبدو أنها ستتغير بين لحظة وأخرى، بسبب الحماس الذي يبديه بعض الساسة، مهما كانوا صادقين في إعلانهم الحرب ضد الفساد، الشعب الواعي بالأحوال، لا يعيش على الأوهام، ولا ينتظر نزول المعجزات عليه، لا من ساسته ولا من السماء.

أخبار ذات صلة

مقاومة التشتت الجغرافي-الاقتصادي.. كيف يحدث؟
فلتتوقف الحكومات عن خفض أسعار البنزين!


ولم يعد للشعب العراقي أمل إلا في انتهاء هذا النظام الفاسد، وبذلك ينتصر، وتشرق شمس الحرية والبسالة الوطنية الهادفة إلى بناء الوطن العزيز، والذين ينشرون تحليلاتهم الإحباطية ومخاوفهم المريضة، عليهم أن يقرأوا الواقع، ويتأملوا الإرادة الجماهيرية والمنطلقات المعاصرة التي تفرض قوانينها على مسيرة الأجيال.

إن الفساد في العراق، الذي ملأ السماوات والأرض، يدفع ثمنه شعب قدم أعرق الحضارات في التاريخ الإنساني، وإن استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين أمر لم يعد مقبولاً، وقد حان الأوان أن تقوم الحكومة بالتطهر الذاتي من داخلها لاقتلاع سوس الفساد الناخر في أضلعها، والضرورة تقتضي ـ كما يطالب المتظاهرون ـ إعادة تصحيح الدستور بما يختص بضمان حقوق الشعب حسب الكفاءة.

الشعب العراقي يريد توفير متطلبات الحياة الأساسية والضرورية اليومية من مستشفيات حديثة وضمان صحي، مع أنه في دولة نفطية فيها كل الخيرات والثروات، ويريد أيضاً المدارس الحديثة والجامعات المتطورة كما في دول العالم، ويريد مصانع ومعامل لتصنع احتياجاته البسيطة.

الشعب العراقي يريد وطناً عادلاً قوياً، فشعبه يعيش في بلد به نهران، وحضارته قامت على الزراعة، ويعنيه استثمار الطاقة لتطوير الزراعة وإحداث نقلة نوعية فيها لسد الجوع والفقر والاكتفاء الذاتي، وينتظر الإسراع بإقامة دولة حديثة، شوارعها معبدة، ونظامها مثل الدول المجاورة يتوافر فيها قطار ضمن المواصفات العالمية، وتأمين وسائل نقل للمواطنين.

يأمل الإنسان العراقي أن يمتلك بيتاً آمناً، وأن يتقاضى راتباً يؤمّن به احتياجات معيشته بكرامة وعزة، ويريد الشعب العراقي دولة قوية، فيها يسود القانون، والنظام يحمي الضعيف وينصره ويرجع الحقوق لأهلها، ويأمل أيضاً في جواز سفر عالمي يكون محترماً ومقدَّراً من كل دول العالم، بما يتناسب مع سيادة الوطن وامتلاكه زمام أموره واستقلالية قراره، ليبدأ عهداً جديداً من الاستقرار والتنمية والرخاء.