هادي حداد

ربما لم ينزعج العالم منذ عام 2002 حين انتشر وباء السارس انزعاجاً معادلاً لما هو حادث الآن على سطح الكرة الأرضية من جراء فيروس كورونا، ذاك الذي يمتد عبر كافة أرجاء المسكونة، والذي تقف البشرية أمامه عاجزة عن إيجاد الأمصال اللازمة للخلاص من تبعاته الكارثية.

أكثر من ملاحظة تستوقف من يعمل التفكير كأولوية حياتية له في عالمنا المعاصر فيما خص إشكالية كورونا، وفي مقدمتها الحالة التي بات عليها العالم، إذ لم يعد الأمر كما كان عليه في زمن الإمبراطورية الرومانية، بمعنى إمكانية الحياة في جزر منعزلة، كل منها قائم بذاته، مستقل عن الآخر، قادر على الاستغناء عن ما عداه من الأمم والشعوب.

منذ ستينات القرن المنصرم بلور عالم الاجتماع الكندي الأشهر مارشال ماكلوهان رؤيته لفكرة القرية الكونية، بمعنى أن ثورة وسائل التواصل سوف تجعل العالم قرية صغيرة، وفات الرجل العالم أن الأمر ربما سيتجاوز القرية إلى الضيعة أو ما هو أصغر عبر أمرين: الأول هو وسائل الانتقال التي تختصر المسافات بين قارات الأرض عبر ساعات قليلة من أقصى نقطة إلى أدناها، والثاني هو ثورة الاتصالات التي يسرت تلاقي البشر، وسهلت التدفق الإنساني ومن غير التزام بمحددات الجغرافيا التقليدية.

ما الذي نعنيه بما تقدم؟

باختصار غير مخل نحن أمام أسرة بشرية واحدة، لها أن تفرح معاً، ويتوجب عليها أن تحزن وتيأس أو تكتئب معاً، ولم يعد أحد قادر على العيش ضمن ثقافة الإقصاء والعزل، الأمر الذي جعل من حصار كورونا مسألة صعبة ويأمل المرء ألا يتطور المشهد إلى ما هو أسوأ من ذلك.

ضمن النقاط المثيرة التي أفرزتها إشكالية كورونا، اكتشاف العالم أن مناطق الشك بين الأمم أوسع كثيراً من مساحات الثقة المتبادلة، فقد راجت نظريات عديدة بعضها يؤكد أن ما جرى في الصين هو أمر عمدي يدخل ضمن سياقات الحروب البيولوجية، والاتهام بصورة صريحة وغير مريحة موجه للولايات المتحدة الأمريكية، انطلاقاً من أنها هي بعينها من يعنيها وقف نمو الصين، وقطع طريق القطبية عليها.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


على الجانب الآخر من الشاطئ، أي من الناحية الصينية، هناك من يدعي أن الفيروس ربما كان قد تسرب من معامل صينية كانت تسعى إلى تحضيره ضمن ترسانتها البيولوجية القائمة والقادمة، استعداداً للمواجهة العالمية، حتى وإن طال الانتظار.

المشهدان يثيران الغبار، ويتناسيان أنه في زمن القرية المعولمة إن جاز التعبير، لا توجد رفاهية استخدام تلك الأسلحة، ومرد ذلك ببساطة هو أن سطح الأرض قد انكمش، والجدران الإنسانية تراصت وتلاصقت إلى الحد الذي يهدد معه الواحد الآخر إن تعرض لأي مكروه، سواء كان طبيعياً أو تم تحضيره في المعامل، إذ ستكون النتيجة كارثية على الجميع ومن غير استثناء.

جزئية أخرى تبين حاجة العالم إلى مزيد من التعدد والتنوع ولكن في إطار وحدانية القلب الواحد، وهي موصولة بفكرة البحث العلمي، إذ ليس سراً أن علماء العالم قد تناسوا الصراعات البينية، أو هكذا يجب أن يكون الحال، من أجل اكتشاف علاج شافٍ وافٍ، قبل أن يتهدد الفيروس بقية الأصحاء، أي أن الإنسانية في حاجة إلى مزيد من الجسور وهدم ما هو قائم من الجدران.

الإنسانية أمام اختبار كورونا، إما أن تنجح معاً في عبوره، أو تسقط في وهدة الوباء لا قدر الله.