شيماء يحيى

محاكمة سردية لمشاعر القسوة والكره والأنانية

تحمل رواية "زعفران" للكاتبة الإماراتية شيماء المرزوقي، دعوة إلى التأمل في واقعنا الحاضر، وحساً إنسانياً يؤكد أن التعاطف مع البؤساء والضعفاء شيء، والعمل على مساعدتهم شيء آخر، منطلقة من قناعة بأن الوقوف عند حد التعاطف لا يعني أن أفراد المجتمع قد أدوا الدور المثالي تجاه الآخر المحتاج.

وتعكس الرواية نموذجاً مؤلماً وصارخاً من الانتهاكات التي قد يتعرض لها بعض الأطفال الذين قست عليهم ظروف الحياة وفقدوا آباءهم، لتقدم الكاتبة ما يشبه بمحاكمة سردية لمشاعر القسوة والتسلط والأنانية التي تسود بعض بني البشر، في ممارسات تجمعهم ببعض آخر من نفس بني جنسهم.





تسلسل مدهش

وتدور أحداث الرواية حول فتاة صغيرة، ألقتها جدتها بعد وفاة والدتها نتيجة للفقر المدقع في أحد حقول الزعفران الواسعة في ليلة عاصفة ممطرة، ولكن تمكنت هذه الطفلة من النجاة من الموت بأعجوبة، وفي الصباح بعد توقف الأمطار وهدوء الرياح، خرج صاحب الحقول العم عامر ليتفقد حقوله التي دُمرت بسبب العاصفة، فوجد هذه الطفلة وقرر تبنيها وأسماها «زعفران».

أخبار ذات صلة

«إصدارات أدبية تسجل تاريخ الوطن» ندوة بالأرشيف والمكتبة الوطنية
«دبي للثقافة» تدشن «التبدّل والتحوّل» في مكتبة الصفا

وتتسلسل الأحداث بطريقة ذكية، حيث يحسن العم عامر معاملة الطفلة اليتيمة ويطلق عليها اسم «زعفران» تيمناً بالمكان الذي وجدها فيه، وفيما بعد، تساعده الطفلة البريئة في حقول الزعفران، وتساهم في إنقاذ محصوله الثمين الذي كان في طريق الدمار، وبسببها يصبح المزارع عامر أكثر ثراء.

ومع الأحداث يظهر ذكاء الطفلة في التعامل مع الحقول والزراعة، متخذة من عامر والداً لها، تعاونه على حل كثير من مشكلات زراعة الزعفران، بل بسببها توسعت تجارته في نبات الزعفران. وفي يوم قرر العم عامر السفر وترك ابنته زعفران مع زوجته وأطفاله، الذين أساؤوا معاملتها وكانوا يكنّون لها مشاعر الكره منذ اللحظة الأولى.

ويظل أمل زعفران الوحيد في الحياة، هو عودة القلب الحاني العم عامر السند والحامي لها في معركة الحياة، لكنه تُوفي، لتبدأ فصلاً جديداً من المعاناة، حيث استُعبدت، وأدركت الفتاة البريئة أن كل ما في الحياة أثمن منها، فهي يجب أن تتحمل القسوة والجوع وتتجرع العنف والموت ما دامت على قيد الحياة، فكانت مهارتها في التعامل مع نباتات الزعفران الثمينة محل استغلال دائم.

التحقت زعفران بالمدرسة وعلمت معلمتها معاناتها، وأرسلت لهيئة حقوق الطفل وإلى بعض الصحف، حيث كتبت عن أصابع زعفران المحترقة، وعن ظهرها الممتلئ بآثار السوط وعن آثار الجروح الموزعة في جسدها وعن أسنانها المتكسرة، وبعد أن انتشر خبرها حدثت ضجة في المجتمع، فتحركت الهيئات الحقوقية وبدأت عملية بحث عنها، لكن زعفران الصغيرة، كانت قد تشبعت بالألم والحزن والمعاناة، فاختارت طريقاً آخر للراحة، ومضت فيه.



شيماء المرزوقي


نهاية موجعة

تأتي النهاية الصادمة للرواية، حيث تسكب الطفلة زعفران فور العثور عليها البنزين على رأسها، وتشعل النار في جسدها، لتتحول إلى كتلة محترقة أمام أعين ممثلي هيئة حقوق الإنسان والصحفيين وكل من شاهد هذه المأساة.



إثارة الذهن

واشار نقاد على أن كاتبة الرواية وُفقت في اختيار عنوان العمل الأدبي، حيث نجح العنوان في إثارة ذهن القارئ، ودفعه للتساؤل عن صاحب الشخصية، وما السر وراءها، وهو ما يجبر القارئ على قراءة الرواية دفعة واحدة، نظراً لتسلسلها المتوافق، والذي تم حشد الحكايات التي تعكس تقلبات الحياة والمواقف الموجعة التي واجهت بطلة الرواية فيه.

ورغم أن الراوية تعتمد على شخصيات قليلة، إلا أن المرزوقي نجحت في الربط بين الأحداث بأسلوب درامي مكثف، وهو ما جعل العمل يتمتع بثراء تصويري، وبناء مرن، وذكاء فني في تسلسل الأحداث، حيث جاء الانتقال من مشهد إلى آخر بسهولة، وهو ما يُظهر قدرتها على التوظيف اللغوي وامتلاكها لأدواتها.

وقالت الكاتبة شيماء المرزوقي «إن الرواية تقدم دعوة للتأمل في واقعنا المعاصر، حيث حاولت، من خلال سطورها، إيصال رسائل عدة، منها أنه مهما تزايدت التقنيات ووسائل الاتصال الحديثة، فإن معاناة الإنسان مستمرة، وظلمه لن يتوقف، وإذا لم نملك الإرادة الحقيقية لمساعدة الضعفاء والبؤساء، فإن المنظمات والمؤسسات الحقوقية ستظهر وكأنها هيكل بلا روح لا أكثر، ولن تستطيع القيام بعملها، فالتعاطف شيء، والعمل على مساعدة البؤساء والضعفاء في المجتمع شيء آخر مختلف، والتعاطف لا يعني أنك قمت بدورك، لأنه لن يفيد الجائع ولا المحتاج».