فاطمة المزروعي

يراودني الإحساس بين وقت وآخر، بأنني إنسانة محظوظة، كوني أعيش في هذه الحقبة الزمنية، فأكبر لحظات سعادتي عندما أبحث عن أي معلومة وأجد أن بين يدي عدة خيارات للحصول عليها، وبالنسبة لي هذه قمة السعادة، قبل بضع سنوات، كان الحصول على معلومة محددة لتساعدني في كتابة مقالة أو عند وجود مشروع لتأليف كتاب، فإن هذا يعني وببساطة متناهية أن أقوم بزيارة المكتبة والبحث المطول ومن الممكن أن تتكرر زيارتك عشرات المرات، وهذه المكتبة تعمل وفق آليات محددة وساعات محددة، ولا بد أن تخضع لمثل هذه الآلية وتتحملها، الوضع والحال مختلف تماماً الآن، فشبكة الإنترنت تطورت بشكل مذهل وكبير، وباتت تضم في جنباتها ملايين الملايين من المعلومات، فضلاً عن كثير من المكتبات فتحت المجال للاشتراك وتصفحها من خلال هذه الشبكة.

تداعت لذهني مثل هذه الأفكار وأنا أفكر في مجال الكتابة السينمائية وتطور صناعة الأفلام، وتحول الكثير من الروايات الأدبية، لتكون فيلماً سينمائياً، وتمكن صناعة ضخمة مثل صناعة الأفلام السينمائية من الاستفادة من كثير من المنتج الأدبي، وتحويله لأفلام كان لها النجاح المدوي في العالم بأسره.

مع رحلتي الذهنية نبع تساؤل يتعلق بمن أثر في الآخر، الرواية كفن أدبي أو الفيلم كفن سينمائي؟ أو لأعيد صياغة السؤال بشكل مختلف من الذي استفاد من الآخر، الرواية أو الفيلم؟

أخبار ذات صلة

هل أخطأ جيروم باول؟
العاصفة القادمة في العملات المشفرة

هذا المجال جديد تماماً علي، ولكن عادت شبكة الإنترنت، ووضعت أمامي تاريخاً طويلاً في مجال صناعة الأفلام، ورحلة طويلة في هذا المجال، بل أرشدتني للبعض من الكتب في هذا المحور كان طلبها من خلال مكتبات على شبكة الإنترنت سهلاً جداً.

وبعد رحلة بحث وقراءة، أدركت تماماً أننا ودون أدنى شك في عصر السينما والأفلام، حتى إن معظم الآراء والأفكار في مختلف المجالات أصبحت تمرر إلى عقول الناس من خلال الأفلام.

لكن فضولي وحبي لمشاهدة الأفلام السينمائية، لم يذهب عبثاً، فمن تجربة شخصية، أفضل الأفلام التي شاهدتها على الإطلاق، كانت هي تلك التي قبل تحويلها إلى فيلم عبارة عن رواية، مثل فيلم أليس في بلاد العجائب، وأليس في المرآة، التي كتبها عالم الرياضيات تشارلز دودجسون، ونشرها باسم مستعار وهو لويس كارول، لأنه لم يرد أن يعرف أحد بأن عالم رياضيات يكتب قصصاً للأطفال!.. وتم تحويلها إلى فيلم للمخرج تيم برتون، كذلك فيلم الطفل 44 من إخراج ريدلي سكوت، الفيلم كان رواية بنفس العنوان للمؤلف توم روب سميث، وفيلم عقل جميل، الذي حصل على 4 جوائز من الأوسكار، والذي يحكي قصة حياة عالم الرياضيات جون ناش، الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية، للمخرج رون هوارد، وأفلام شارلوك هولمز، المستوحاة من روايات آرثر دويل والتي تم إخراجها في أكثر من استوديو، على شكل مسلسل، وأخرى على شكل أفلام.

هذه الأعمال من أشهر الروايات والكتب التي تحولت إلى أفلام عالمية عريقة، وإذا لم تكن شاهدت أو قرأت إحداها على الأقل فأنت بعيد تماماً عن عالم الأدب والفن، أعود إلى موضوعي، أو لإلقاء التساؤلات عليكم، لعلكم تهبون بإبداء الرأي، فقد عرضت هذه الأعمال لأنها تضعنا أمام سؤال ثانٍ وأيضاً محير، وأعتقد أنه لا يزال حتى الآن يسبب نقاشات طويلة، وملخص هذا السؤال، هل الأفلام تغنينا عن القراءة؟ وهل القراءة تغنينا عن مشاهدة الأفلام؟

أريد التوقف عند هذا التساؤل لأنه يتقاطع معي أو لأنه يمسني شخصياً كوني أكتب ونشرت عدة كتب، حيث أعتقد أن البعض يميل إلى القول إن الكتب أهم، ذلك لأنه عرف عن الأفلام أنها ضمن الأنشطة الترفيهية، أما الكتب فهي ضمن الأنشطة الثقافية والتعليمية، ورغم وجاهة مثل هذا القول، إلا أننا في عصر وزمن أصبح الحكم صعباً، وليس من السهل اختزاله بكل هذه البساطة. لأننا نشاهد ونقرأ منجزات روائية مبتذلة ومتواضعة لا يمكن مقارنتها مع أقل الأفلام جودة وتأثيراً، فالرواية الرديئة لم تكلف مؤلفها شيئاً بينما الفيلم المتواضع الذي لم يحصد النجاح قد تصل ميزانيته للملايين من الدولارات، واستنزفت من القائمين عليها أوقاتاً طويلة، لذلك ليس من العدل أن نجيب على هذا السؤل بهذا التفكير القديم أو بكل هذه السطحية.

لكن اسمحوا لي أن أتحدث عن رأيي الشخصي في هذا الموضوع، لو كان هناك رواية جيدة ومؤثرة وتحولت إلى فيلم سينمائي، وجاء من وضع بين يديك خيارين الأول الرواية مطبوعة في كتاب، والثاني الفيلم السينمائي، فما الذي ستختاره؟ أتوقع أن معظمكم سيختار مشاهدة الفيلم السينمائي، وكمحبة للأفلام الجميلة والمعبرة والمؤثرة لن أستغرب خياركم، بل أعتبره بديهياً، لكنني على مستوى شخصي سأختار قراءة الرواية قبل مشاهدتها في فيلم، والسبب ببساطة متناهية يعود لطبيعة صناعة الأفلام نفسها، فعند صناعة الفيلم والبدء في تنفيذه تكون الحبكة مستوحاة من الطريقة التي تخيل بها المخرج الأحداث والأشكال، لذلك عندما نشاهد الفيلم نكون متلقين فقط، أما عندما نقرأ الرواية فإن هذا يسمح لنا بأن نتخيل الشخصيات والأماكن ونتذكر الأسماء... عندما قرأت رواية 100 عام من العزلة للروائي الشهير غابرييل ماركيز اضطررت لرسم شجرة العائلة لمعرفة أسماء الشخصيات والتفريق بين الأحفاد والأجداد، لذلك في الكتب يجب أن يكون العقل في حالة عمل مستمر.

أما ميزة الأفلام فتكمن في أنها تختصر كثيراً من الوقت، وهذا ما نحتاجه في زمن السرعة، فالكتاب الذي تنهيه خلال أسبوع يمكنك مشاهدته كفيلم خلال ساعتين مثلاً!.. وحتى لا تغضبكم آرائي، فإنني أؤكد لكم ومن وجهة نظر شخصية، لا القراءة تغني عن الأفلام، ولا الأفلام تغني عن القراءة.. يقول الكاتب الأمريكي والذي تحولت بعض أعماله إلى أفلام سينمائية، ستيفن كينغ: «الكتب والأفلام مثل التفاح والبرتقال، كلاهما فاكهة لكن طعمهما مختلف تماماً». وبالفعل، لكل نوع من أنواع المنتج الإنساني طعمه وذوقه وطريقته، المهم هو أن تشعر بالسعادة والمتعة وأنت تشاهد أو تقرأ، تبقى حقيقة أن بعض الأفلام السينمائية جنونية ومؤثرة جداً على النفس الإنسانية حقيقة لا مجال لإنكارها، وتبقى أيضاً الكثير من الروايات قريبة من النفس والروح، بل كأنها جزء من تفكيرنا، ويبقى تأثيرها قائماً بين أنفاسنا.. في المجمل فإن للإبداع دوماً الكلمة الفصل، والصوت الأعلى.. المهم أن نتذوق هذا الإبداع ونستلهم منه القيمة الإنسانية ونفهم الرسالة العميقة، وندرك أننا أمام منجز يستحق الاحترام والتقدير.. رغم أن الكثير من الأسئلة تبقى مفتوحة دون إجابات، ولو تمت الإجابة، فإن مدى القناعة بها تبقى معضلة أخرى، وهذه الإشكالية هي نوع من إفرازات التميز والإبداع البشري.