د.عماد الدين حسين

تتفاوت الدول في تطوير هياكلها واستشراف مستقبلها التنظيمي ليواكب أفضل الممارسات، ويُلبي أسمى الطموحات، لكنها تتمايز في مراتب الرشاقة التنظيمية الحكومية على المستوى الدولي، خاصة حين تنظر إلى الكثير من الدول لتجد أن وزاراتها وهيئاتها ومؤسساتها الحكومية قد رضيت بأن تظل عشرات السنوات أسيرةَ لنفس المسميات والهياكل والمهام، حتى تتحول إلى معلم أثري غير قابل للتطوير مهما تغيرت الظروف، وطرأت من مستجدات توجب التحديث ومفارقة التقليدي المألوف.

خلال هذا الشهر، وضمن الاستشرافية التنظيمية للحكومة الاتحادية، صدر مرسوم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بإنشاء الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ، وبذلك تحل الهيئة الوليدة محل أربع هيئات، هي: الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية، والهيئة الاتحادية للجمارك، والهيئة العامة لأمن المنافذ والحدود، والمناطق الحرة، لتنضوي الجهات الأربع تحت لواء منظومة واحدة تتكامل في خدماتها وموجبات عملها بدءاً من رحلة الميلاد عبر الهوية والجنسية، مروراً بالبضائع الواردة والصادرة والعابرة من خلال التفتيش والتعرفة الجمركية، وختاماً بحماية ومراقبة منافذها وحدودها براً وبحراً وجواً ومناطقها الحرة لتتكامل المنظومة.

من يتأمل المهام الجديدة للهيئة الوليدة وفق مرسومها يدرك أهميتها في تنظيم شؤون الجنسية وجوازات السفر ودخول وإقامة الأجانب في الدولة، وتعزيز أمن المنافذ والحدود والمناطق الحرة ورفع كفاءتها وجاهزيتها، وتنظيم وإدارة العمل الجمركي في الدولة بما يتوافق مع المعايير الدولية والمتطلبات الأمنية، إضافة إلى اقتراح وإعداد السياسات والاستراتيجيات والتشريعات واعتمادها من قِبل مجلس الوزراء، وغيرها من مهام واختصاصات ذات طبيعة تنظيمية وإشرافية ورقابية.

والحقيقة، لا يمكن للراصد لهذه الاستباقيات التنظيمية الحكومية على المستوى الاتحادي أن يغفل أن الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية كان قد صدر مرسوم بقانون اتحادي بشأنها في عام 2017 والذي شكل آنذاك نقطة فارقة في مسيرة الهيئة، بعد أن تمت إضافة اختصاصات شؤون الجنسية وجوازات السفر ودخول وإقامة الأجانب، والآن لم يمضِ أكثر من أربع سنوات لتبدأ الهيئة في ثوبها الجديد رحلة واعدة جديدة في تحقيق مستهدفات تنموية وطموحات ريادية، ما يبرهن على أن الإمارات تمتلك المرونة والرشاقة للتطوير والاستباقية الهيكلية، وتعزيز الجاهزية للمستقبل، ومواءمة المتغيرات المتسارعة.

لا شك أن الصدارة الإماراتية الحكومية أضحت نهجاً استشرافياً، وحلقات تكاملية تؤطر لأن تكون الخارطة التنظيمية المستقبلية للحكومة الاتحادية أنموذجاً ريادياً تنموياً واقتصادياً واستباقياً يحتذى.


أخبار ذات صلة

هل أخطأ جيروم باول؟
العاصفة القادمة في العملات المشفرة