د. عبد العزيز المسلّم

لكل خطوة أثر، ولكل أثر دلالة خاصّة، تولّد الكثير من الأفكار التي تنتج عنها معارف وعلوم، وقد كانت خطوات أجدادنا الأوائل في عصور الازدهار الحضاري نبراساً لنا، ولكافّة شعوب الأرض في شتى المجالات، وكان المحتوى الفكري والعلمي العربي من أغزر ما تم إنتاجه لألف سنة خلت.

لكن انحلال الحضارة العربية وتفكك البنية السياسية والتراجع الحضاري، الذي أعقبه الاستعمار الأوروبي واستمراره لمئات السنين بدعوى الاستكشاف الجغرافي، وما نتج عنه من نظام مأساوي اسمه الحماية، كل ذلك خلق حالة ثقافية متردية، ونمط حياة بغيضاً قائماً على النفعية والاستغلال السلبي.

لكن برزت في العصر الحديث دول عربية أحدثت نهضة حضارية مهمة، أبرزها دولة الإمارات العربية المتحدة، الدولة الفتية التي أبهرت العالم بنموذجها الفريد في السياسة والاقتصاد والثقافة.

وحديثنا هنا سينصب على الجانب الثقافي، الذي سطعت شمسه من السنين الأولى للاتحاد، وبالتحديد من الشارقة التي وفّرت بنية تحتية غنية، ما أسهم في إثراء المشهد الثقافي العربي، وجعل الإمارة قِبلة للمثقفين والفنانين العرب وحاضنتهم ومنطلق تجاربهم.

وكان الكِتاب مفتاح ذلك كله، كونه الدّليل والسجل والحافظة والتاريخ والديوان والرواية، كل هذا انطلق من الشارقة مع شرارات وشظايا التأمت في معرض الكتاب، فكان المحفل الأكبر للكُتّاب والمفكرين والفنانين والمبدعين.

ومعرض الشارقة الدولي للكتاب بدأ عندما كانت الأفكار عطشى، وكانت العيون والقلوب متجهة إلى الماديات والبنايات وميادين الكونكريت، في ذلك الزمن العصيب الذي كان به تحوّل من المثاليات إلى الماديات، من البساطة إلى التعقيد، ولد آنذاك المعرض بهوية إماراتية قوية وبارزة.

أخبار ذات صلة

هل أخطأ جيروم باول؟
العاصفة القادمة في العملات المشفرة


واليوم نحن في زمن العولمة وهيمنة الثقافة الغربية ومثيلاتها، مثل اليابانية والكورية وباتت تتبعهما بقوة الآن الصينية، بينما ثقافتنا العربية بشكل عام تعاني من التشرذم والتبعية وضعف المحتوى، علاوة على نزوع ثلة من الطليعيين ورواد الفكر إلى الإنتاج بلغات غربية، ما يزيد من ضعف ثقافتنا، فيأتي معرض الشارقة الدولي للكتاب ليبقي شعلة الفكر متقدة، ويرفع مقولة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة «تكفينا ثورة الكونكريت، نريد ثورة ثقافية».