مصباح قطب

خفض الاعتماد على النفط والغاز الطبيعي يحتاج ترتيبات سياسية

ارتفاع أسعار النفط يمكن استخدامه في تقوية صناديق مواجهة التقلبات المالية


دعم الطاقة في الدول العربية لا يخدم سوى ٢٠% من السكان

مناقشات جادة في الكويت وعُمان لمضاعفة جهود التحديث والإصلاح

فجوة الثقة بين روسيا والغرب تفتح باب عودة فنزويلا وليبيا لأسواق النفط

قال وزير مالية السودان السابق، مدير منتدى البحوث الاقتصادية، الدكتور إبراهيم البدوي، إن السنوات العشر المقبلة، ستشهد ارتفاعاً في أسعار النفط، بعد أن أظهرت الأزمة الأوكرانية، أن خفض الاعتماد بشكل كبير على النفط والغاز الطبيعي، هدف ليس بالسهل، ويحتاج إلى سنوات وإلى استثمارات وترتيبات سياسية كبيرة، كما أثبتت أنه يصعب تعويض هذين المصدرين، عبر أي أشكال أخرى من الطاقة سواء جديدة أو متجددة، إلا خلال زمن طويل، وأكد البدوي في حوار لـ«الرؤية» أن مراكز البحوث الاقتصادية، كانت تنبه منذ عامين إلى وجوب أن تأخذ الدول العربية المنتجة للنفط في الاعتبار، أهمية تنويع مواردها واقتصادها؛ لأن أسعار النفط في تراجع، مع تغير مزيج الطاقة والثورة الصناعية الرابعة، لكن الحال تبدل في الآونة الأخيرة، وتبين كم هو صعب أن يتم عمل تحول طاقة كبير، فضلاً عن أن التكاليف ستكون مرتفعة جداً خاصة على الدول النامية المثقلة أصلاً بالديون.

الخليج والتنويع الاقتصادي

وأوضح البدوي أنه ليس هناك ما يدعو لتنبيه دول الخليج إلى مخاطر التراخي في تنويع الاقتصاد بعد ارتفاع الأسعار الحالية للنفط، لأن تلك الدول أخذت بجدية أكثر من غيرها من الدول كثيفة السكان، عملية تطوير البنية التحتية والخدمات الاجتماعية، وتحديث وتنويع اقتصادها، ومساندة مبادرات القطاع الخاص، وهي قد سارت وتسير على الطريق بقطع النظر عن أي تقلبات في الأسعار، وضرب مثلا بالإجراءات التي اتخذتها دولة الإمارات العربية المتحدة، في هذا المجال، والجهد السعودي الكبير في السنوات الأخيرة لعمل قفزة اقتصادية واجتماعية بالمملكة، منوهاً أنه كان من اللافت للنظر اهتمام دول خليجية بالطاقة الجديدة مبكراً، رغم أن غيرها ممن لا ينتجون النفط كان أولى بهم أن يسبقوا، وأفضى ذلك إلى أن تمتلك الإمارات قبل غيرها أول محطة نووية لإنتاج الكهرباء، مشيراً إلى أن هناك مناقشات جادة كذلك في الكويت وسلطنة عُمان للتنويع الاقتصادي ومضاعفة جهود التحديث والإصلاح.

إقرأ أيضاً..خاص | قمة النقب.. مقاربة جديدة في مواجهات التحديات

توظيف الفوائض عربياً

وذكر الدكتور البدوي، أن الارتفاع الذي سيتواصل في أسعار النفط سينتج عنه توليد فوائض قوية يمكن استخدام جانب منها في زيادة أرصدة الصناديق السيادية الخليجية، وتقوية صناديق التثبيت المخصصة لمواجهة تقلبات الأوضاع المالية، وتوظيف جانب آخر في مشاريع بنية تحتية خليجية مشتركة مثل مشروع السكة الحديدية الذي يربط دول مجلس التعاون، وفى كل الحالات سيكون هناك فائض للضخ على هيئة استثمارات في الدول العربية التي ينقصها الكثير في مجال البنية التحتية، والنهوض بالزراعة والإسكان الاجتماعي والعمران الحضري والطاقة والنقل، وبالتأكيد فإن العائد على الاستثمار سيكون مرتفعاً، كما أن معامل الأمان ضد مخاطر التحفظ أو التأميم، سيكون أعلى، واستطرد: «أظن أن الدول العربية المستقبلة للاستثمارات ستكون أكثر حرصاً على تجنيب المستثمرين مخاطر التأميم أو التحفظ أو التجميد، من غيرها». منوهاً أن ضخ استثمارات عربية يتطلب في المقابل جاهزية تشريعية وإدارية وتحفيزية من الدول التي يمكن أن تستقبل تلك الاستثمارات، وإدراكاً أوسع لأهمية دور القطاع الخاص، مؤكداً أنه يفكر في تنظيم حلقة نقاش خاصة في المنتدى حول هذا الموضوع بعد أن ينتهي المؤتمر السنوي للمنتدى، والذي يعقد من ٢٦ إلى ٣٠ من مارس الجاري، وزاد أنه يتمنى أن تولي جامعة الدول العربية عناية لدراسة المكاسب والخسائر الاقتصادية التي ستنجم عن أزمة أوكرانيا والتغيرات المصاحبة لها، موضحاً أن المنافع الاقتصادية المتبادلة والتبادل التجاري والتشبيك الاقتصادي، هي أنجع الوسائل للحد من المنازعات السياسية، وتدعيم الروابط بين الشعوب والدول.

وقال البدوي: إنه من حسن الحظ أن كلفة إنتاج النفط في الخليج بشكل عام منخفضة، ويتحقق التوازن المالي في كل دول الخليج جميعاً عند مستوى سعري متقارب للبترول، لذا فإنه حتى لو زاد إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة كأثر من آثار ارتفاع الأسعار، سيظل أمر الأسعار مريحاً للدول الخليجية المنتجة. وواصل: "من الواضح أن أوروبا مصممة على تقليل الاعتماد على النفط والغاز الروسيين، وأنه أصبح هناك فجوة ثقة ملموسة بين الطرفين، ما خلق ويخلق فرصة للخليج، وحيز حركة لدول مثل فنزويلا وليبيا، لتعود إلى سوق الإنتاج بقوة، ويفتح الباب لقفزة في تحديث عمليات البحث والاستكشاف والإنتاج في العراق، شرط أن يتم النجاح في التصدي للساعين إلى تعجيز العراق والتدخل في سيادته وشؤونه.

الصين وروسيا والدولار

وأشار البدوي، الذي اختير منذ فترة عضواً في اللجنة الاستشارية الاقتصادية والاجتماعية التي تتبع الأمين العام للأمم المتحدة، إلى أنه رغم ضخامة الإسهام الصيني الاقتصادي العالمي، وهو يتنامى يوماً بعد آخر، فإنه من الصعب أن تكون الصين بديلاً لروسيا عن الغرب، أو أن ينجحا في إقامة كتلة غير دولارية، لأن ثقل روسيا الاقتصادي في الاتجاه الغربي من أراضيها، أي باتجاه أوروبا، بينما ثقل الصين في الشرق، أي متاخم للأراضي الروسية الشاسعة والضعيفة اقتصادياً، وبالتالي من الصعب أن تتشكل كتلة حيوية اقتصادية واحدة من البلدين، وثانياً فإن الصين دولة صناعية كبرى لكنها تقع ضمن الدول متوسطة الدخل، ومنتجاتها لا تستطيع أن تعوض الطبقة المتوسطة الجديدة في روسيا عما اعتادت استهلاكه من سلع وخدمات غربية، مضيفاً أنه يلزم أيضاً أن توفر الصين عملة عالمية بديلة للدولار وهذا غير ممكن، لأن طبيعة المنتجات التي تصدرها تفرض تسويقها إلى دول عملة التسوية بها هي الدولار أساساً، ثم إنه لا بد أن يكون لديها سوق سندات قوي، مثل السوق الأمريكي حالياً، لكي تستثمر فيه الدول أو بنوكها المركزية، فوائضها بأمان، وهذا ما لم تستطع أوروبا ذاتها القيام به، لذا ظل دور اليورو محدوداً.

ونوه الدكتور البدوي إلى أن المفكر الحاصل على نوبل في الاقتصاد، بول كروجمان، قال: إن العقوبات والحرب ستعيد روسيا 30 عاماً إلى الوراء، وألمح البدوي، إلى أن هناك رهانات غربية على أن الطبقة المتوسطة الجديدة في روسيا، تتذمر، لكن يحد كثيراً من هذا الاحتمال قوة الشعور القومي هناك، في المقابل ذكر أن أوكرانيا دولة قوية لديها موارد زراعية ومعدنية هائلة، وفيها أبحاث متقدمة وجيش قوي وطبقات متعلمة جيداً، وتقدم تكنولوجي ليس بالهين، لكن لا أحد يعرف ما الذي ستنجم عنه الأزمة الحالية.

إقرأ أيضاً..ورقة الروبل.. هل يستطيع بوتين المناورة للضغط على الغرب؟

دروس من الجائحة

وواصل الوزير السابق القول: إنه تبين أن الكثير من دروس كورونا التي تحدث عنها الجميع في ذروة الجائحة قد انسحبت إلى الظل، بعد أن غطت مأساة الحرب في أوكرانيا على الكثير، لكن سيبقى من الأزمات كلها وجوب العناية بتجديد السياسات الاقتصادية لمقابلة تحديات ما بعد الأزمات، والاهتمام بالرعاية الاجتماعية الشاملة، وإيجاد توازن بين الانضباط المالي وبين زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم، والسيطرة على الديون، وتحقيق الاستدامة وسلامة البيئة، وتعزيز التحول الرقمي الشامل، وتقوية سلاسل القيمة والإمداد، كما لفت إلى ضرورة مبادرة البنوك المركزية بحوكمة قواعد إصدار العملات المشفرة وتداولها، مشيداً بخطوات الإمارات السباقة في هذا المجال.

أخبار ذات صلة

عبدالفتاح البرهان: لا نقبل المساعدات المشروطة وعلاقتنا مع إسرائيل لم تنقطع
سقوط طائرة مقاتلة مصرية أثناء تنفيذ إحدى الأنشطة التدريبية

ودعا وزير مالية السودان السابق إلى سرعة معالجة الإنفاق الكبير على الدعم غير العادل وغير الفعال، مشيراً إلى أن دراسة سابقة أكدت على أن دعم الطاقة في الدول العربية لا يخدم سوى ٢٠% من السكان، رغم أن حجمه أكبر بكثير من دعم الصحة والتعليم معاً، وأوضح أن دولاً عربية تنبهت لذلك منذ سنوات مثل مصر التي قطعت شوطاً بعيداً في إصلاح نظم الدعم، ودعم الطاقة بصفة خاصة، لكن دولاً عربية أخرى ما تزال بحاجة إلى إصلاحات عميقة في ذلك الاتجاه، ولفت إلى أنه كان هناك دعم نقدي في السودان عن طريق وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، أيام حكم البشير، لكن اكتشف الجميع بعد الثورة، أن جزءاً كبيراً منه كان يذهب إلى غير مستحقيه، وأن نصف الدعم كان يتم صرفه في صورة حوافز، ولذا أصر وهو وزير للمالية على توزيع الدعم عموماً عبر منصات رقمية لضمان العدالة والدقة في الاستهداف.