ناصر بن حسن الشيخ

نشرت منذ 3 أشهر مقالة بعنوان «التضخم.. شر لا بد منه»، لم أكن أعلم ما لم يعلمه غيري، حيث إن هناك شبه إجماع لدى المختصين منذ أكثر من عام بأن التضخم قادم لا محالة، لأسباب أخذت حقها من الشرح وكررها الجميع، من المختص إلى غيره، لكن لم تكن الحرب الأوكرانية في الحسبان، التي ما أن نشبت إلا وأخذت معظم الأسعار منعطفاً جنونياً صاعداً.

ومع استفحال ظاهرة الغلاء خاض الجميع في التضخم، وهو أمر طبيعي حين تحل أي نائبة، حيث تكون هناك رغبة عارمة من الشارع لفهم ما يجري، يقابلها الكثير من التحليلات والتنظيرات لسبر أغوار المرحلة، لكن معظم ما رأيت شخصياً - أكان مسموعاً أم مقروءاً - شابه التكرار.. وأحياناً القصور، وهنا أتذكر كتاب «حقيقة التضخم» للاقتصادي العالمي بول دونوفان.

أثر التضخم ليس متطابقاً على الجميع، نعم.. قد نرى أن مؤشر أسعار المستهلك (الذي يقاس به التضخم) يتجه صعوداً، لكن عند تفحص مكوناته نجد أنها ليس كلها له تأثير علينا، 38% من وزن المؤشر مثلاً هو لمكون السكن، متضمناً المياه والكهرباء والغاز، و33% لمكون إيجارات السكن، فكم من ثلثي المؤشر تغير فعلياً علينا إن كنا نملك منازلنا؟ سؤال ستتباين إجابته.

أخبار ذات صلة

هل أخطأ جيروم باول؟
العاصفة القادمة في العملات المشفرة

هناك أيضاً العامل النفسي الذي قد يكون خادعاً أحياناً، فكلنا يعلم أن إنتاج السيارات تراجع مؤخراً بسبب الخلل العالمي في سلاسل الإمداد، ما أثر على أسعار الجديدة والمستعملة منها صعوداً، بسبب عدم مقدرة المعروض على مواكبة وتيرة الطلب، والتوقعات تشير لانخفاض إضافي في الإنتاج بمقدار 2.6 مليون سيارة في 2022 و2023، ما سينتج عنه ارتفاع أكبر في أسعار السيارات في المستقبل المنظور.

لن يؤثر كل ذلك على أحدنا إن لم تكن لديه نية شراء سيارة جديدة خلال العامين المقبلين، لكن مع ارتفاع أسعار السيارات بنسبة 50% - إن وقع ذلك - وتكرار سماعه للخبر في الإعلام وعلى الألسنة، سيكون تحت الانطباع النفسي بأن كل ما هو حوله قد ارتفعت أسعاره بنسب مماثلة، بمعنى آخر.. سلعة هو لن يشتريها لكنها ستؤثر عليه نفسياً بالسلب.

التضخم واقع لا يمكن الهروب منه، ومن أراد أن يدفن رأسه.. فستلسع ألسنة الشمس بقية جسده غير المدفون، وشيء طيب أن يسعى المرء لتوسيع مداركه لكي يصفو فهمه، لكن انتقائية المصدر مهمة جداً، والتضخم لا يأتي بمقاس واحد يلائم الجميع، فكل منا عليه أن يتفكر في أثر التضخم عليه.. ومن ثم التخطيط لمجابهته والتعامل معه، لا أن يُسلم أذنه للغير.. وينضم إلى القطيع.