خالد عمر بن ققه

تلهو بنا حقائق الحاضر من كثرة اشتعال أوطاننا، حتى لم نعد قادرين على جمع شتات الذاكرة، ولا ما تبقّى من أفعال لبطولات جماعية، ولا منتج لعبقريات قيادية شكلت في الماضي القريب والبعيد زعامات لا ذكر لها اليوم حتى من باب المؤانسة أو الافتخار.. ألا نكون إذن بدون ماض مثلما يؤرقنا ان نصبح في الغد القريب بدون مستقبل؟ لم يعد السؤال السابق الذكر ولا غيره من أسئلة تحديد الهوية والانتماء والمصير الفردي أو المصائر الوطنية مجتمعة في فضاء أمة، مجدية، كما لا يعول على إجابات منتظرة لها، يمكن الاتكاء عليها لصياغة مشروع حضاري أو على الأقل الاستناد عليها لوقف الانهيار أو كبح الاستنزاف عند خط النهايات العبثية لكي لا نصل إلى الفناء الوجودي.
يبدو أننا اليوم، في معظم دولنا العربية، نعيش في مرحلة لهيب الأوطان ضمن تجربة لأمة خلت لكن لنا ما اكتسبت من أوازر في تاريخها مع أن أوازرنا وخطايانا أكبر مما فعلت، على النحو الذي نراه اليوم في لبنان، حيث يتجه أهله في حركتهم من أجل التغيير نحو ما جادت به قريحة الشاعر جورج جرداق في قصيدة«هذه ليلتي»، التي غنتها أم كلثوم عام 1968 ـ بتلحين محمد عبد الوهاب ـ حين قال في احدى أبياتها: وديار كانت قديما ديارا سترانا كما نراها قفارا عملياًّ، فإن الشعور بوجود بيت في الزمان والمكان حتى لو تحول إلى أطلال، يظل مريحا ويشحن الذاكرة الفردية والجماعية بنبضات العودة، وبيقين الماضي المعاش، ويحمل في عمقه الزمني البعيد ظنون الحلم واليقين، لكن انعدام قيام الوطن داخلنا ونحن نعيش فيه، ونسعى كل يوم للرحيل منه، إلى أوطان الآخرين حيث المساحات المفتوحة لجهة التوقع بحياة أفضل حتى لوكان وهما، ذلك هو القفار، حيث نهايات الانتصارات من حقب استعمارية يحن بعضنا إليها حلما من مظالم من ذوي القربى داخل دولة أعيدت بالدم ولكن ما رعوها حق رعايتها.
اشتعال دولنا العربية بأيدينا أو بمؤامرات خارجية ـ سواء استجبنا لها أو رفضناها ـ لا يأتي من كوننا وقودا لنيران الفتنة فقط، وإنما لإحساسنا بأن لا جدوى من وجود دول في ظل غياب الأوطان، ولنطفئ تلك النيران المشتعلة، لا خيار لنا إلا تقديم الوطن/ البيت عن الدولة/ الحكم والقوانين والسيادة، لحظتها سيرفع المواطن رأسه، حاكما ومحكوما، متجنبا الحرائق بغض النظر عن أسبابها.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»