د. فاتح عبد السلام

انتهت السنة الأولى من عمر الحكومة العراقية الحالية باندلاع احتجاجات واسعة سالت فيها الدماء، وعشية موجة جديدة من غضب شعبي، أعلن رئيس الحكومة في خطاب متلفز حزمة إصلاحات، ما دفع الناس للتساؤل عن سبب عدم الإعلان عن قرارات من هذا النوع قبل أن يصطبغ الشارع بالدم، ما لبثوا أن شعروا بالخيبة، حين أدركوا أنّ تلك القرارات وردت بصيغة وعود ومحمّلة بحرف السين المستقبلي، الأمر الذي لم يسهم في شيء.

فما العوائق التي تحول دون تحقيق إصلاح يرضى عنه العراقيون؟.. هناك جملة من العوائق، نذكر اثنين هنا:

العائق الأول، هو فوضى الحياة السياسية، حيث قام كل شيء على المحاصصة العامة في البلد، ومن ثمّ انسحبت المحاصصات داخل كل حصّة كبيرة لتنشطر إلى حصص عنقودية، كانت بمثابة إقطاعيات سياسية لا يخلو معظمها من السلاح الخاص بها، وباتت أقوى من مفهوم الدولة.

والعائق الثاني، هو أنّ العراق اعتمد في حدود عقد زمني على حقيقة خادعة هي كونه مودَعاً في حاضنة الاحتلال الأمريكي، الذي كان من حيث القانون الدولي متكفلاً بتصريف شؤون البلد في كل شيء استراتيجي، بدءاً من تعيين حاكم أمريكي مدني للعراق، بالرغم من «تعيين» أو «انتخاب» واجهات سياسية محلية لاحقاً.

وبعد خروج الأمريكان ازداد التناحر السياسي الطائفي والعرقي، ولم يجلس هؤلاء المتناحرون ليضعوا خطة لإدامة الحياة الاقتصادية والمالية في البلد الذي يشكل النفط المصدر الوحيد لدخله، وكانت التوقعات أن يزداد النمو الاقتصادي في العراق بنحو 3 % في خمس سنوات، كون البلد تخلى عن سباق التسلح وخوض الحروب الخارجية، لكن الواقع كانت يتحدث عن حروب صغيرة تطورت إلى استنزاف لقدرات البلد في حرب ضد تنظيم داعش الإرهابي الذي احتل ثلث مساحة العراق، بالتزامن مع تفشي ظاهرة الفساد إلى درجة أنّ الفاسدين الكبار صاروا يحتمون بتشريعات عدة لها منافذ خلفية، وشجع على ذلك الشعور بإمكانية الإفلات من العقاب، مهما كانت الجريمة عظيمةً، ويتمثل بسياسة التوافقات وصفقات الترضية المتبادلة حفظاً للكيان السياسي الجديد الذي تم إنتاجه بعد 2005 على نحو دقيق.

الإصلاح في معضلة الآن، إذ يتطلب تجاوز ذلك الإرث العظيم من الفساد وإزالة طبقة سياسية كاملة، ترى أنّ شرعية النظام كلّه مرتبطة بها.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»