بقلم: عبد الله العولقي كاتب ـ السعودية

بعد دخول الإسلام في جغرافيا فارس والروم، كانت الثقافة السائدة بين المسلمين جميعاً أن الحكم السياسي ينحصر في العرب كتأصيل شرعي، وكضرورة متواترة زمنياً من العهد النبوي وعهد الخلافة الراشدة، لكن انتقال العاصمة الإدارية للدولة الإسلامية إلى دمشق الشام في العهد الأموي وإلى بغداد العراق في العهد العباسي قد مكَّن الأعاجم من اقتحام مراكز الحكم العربي، ولا شك في أن العرب قد استفادوا كثيراً من النظم الإدارية للحضارتين (الفارسية والرومانية)، ولكن الأعاجم بقوا مجرد موظفين في قصور الحكم العربي.. اللافت في الأمر أن التنازل الثقافي الخطير حدث في عهد الخليفة العباسي المأمون عندما منح أخواله الفرس مناصب إدارية مهمة في عمق الدولة العباسية، ثم تبعه أخوه غير الشقيق (المعتصم) والذي مكن أخواله الترك أيضاً، ومنحهم قيادات الجيش العسكرية.

وهذا التنازل الثقافي منح الأعاجم فرصتهم السانحة في تغيير الثقافة السائدة حول الحكم الإسلامي، فرفعوا سقف طموحهم السياسي بالدسائس والمماحكات داخل القصر العباسي، حتى انتشرت حركات التمرد الانفصالي في جغرافيا العهد العباسي الثاني ضد مركز الحكم العربي العباسي في بغداد، فتكونت دول البويهيين والإخشيديين والأيوبيين والسلاجقة حتى انتهت إلى الدولة العثمانية كصورة أعجمية للحكم الإسلامي.

بعد هذا التنازل الثقافي الخطير، نشطت القومية الفارسية المندثرة، وشرعت أدبيات الفرس وثقافتهم تعج بكراهية العرب في أشعارهم ومحكيتهم الدارجة، لدرجة أنهم أمعنوا في تصوير الشخصية العربية في أدبياتهم بنمطية المتخلف الأبله أو البدوي الساذج، ولا بد هنا من الإشارة إلى أنهم عجزوا عن إحياء الحرف الأبجدي الفارسي، فاستعانوا مرغمين وكارهين بالحرف العربي وصورته التي لا تفارق كتابتهم.

وبالنسبة للأتراك، فإبان الحكم العثماني لبلاد العرب، صنع الأتراك دولة مترامية الأطراف جغرافياً باسم الإسلام، ولكنهم تعاملوا مع (العرب) بعنصرية مقيتة ونظرة متطرفة، بل إن سوداويتهم الدفينة دفعتهم إلى عزل العرب عن ميادين التقدم ودروب الحضارة، وهذه الانعزالية تسببت لاحقاً في بروز ظاهرة الراديكالية الأصولية التي أفرزت التطرف والإرهاب في بعض المناطق العربية. وبعد تفكك الدولة العثمانية وانحلالها عقب الحرب العالمية الأولى وقراءتهم الخاطئة للأوضاع السياسية في العالم، تخلوا بمنتهى البساطة عن الشعوب العربية وباعوهم بخساً إلى (اتفاقية سايكس بيكو) بعد أن أشعلوا القومية الطورانية في أقاليمهم، ولسان حالهم يتبجح بشعار تركيا وبعدها الطوفان.

وأخيراً، فإن ما يقترفه النظام التركي من سلوك التحرش مع الجغرافيا العربية لا يختلف أبداً عن الإرهاب الإيراني وأطماعه في المنطقة، ومن هنا رفضت أغلب الدول العربية هذا السلوك المأزوم وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فالوضع العربي اليوم لا يسمح للعرب بأي تنازل ثقافي آخر، فالإعلام الإيراني يتبجح بأنه لن يسمح للعرب بالعودة إلى حكم المناطق التي سقطت بيده، وهذه الرسالة التهكمية للأسف الشديد لا تجد آذاناً صاغية عند بعض الأنظمة العربية، التي تقلل من الخطر الإيراني في المنطقة، وتتخذ وضعية الصمت أمام جهود التحالف العربي بقيادة المملكة والإمارات في التصدي لكل محاولات العبث الأعجمي (الفرس والترك)، لأن الوضع العربي باختصار لا يسمح اليوم بأي تنازل ثقافي آخر!

أخبار ذات صلة

فلتتوقف الحكومات عن خفض أسعار البنزين!
الدور الرئيسي لإزالة الكربون واللامركزية والرقمنة في تحول قطاع الطاقة