أحمد الباز

يقول حسن البنا عند تعريفه لجماعة الإخوان المسلمين: «إنها دعوة سلفية، طريقة سنية، حقيقة صوفية، هيئة سياسية، جماعة رياضية، رابطة علمية ثقافية، شراكة اقتصادية، وفكرة اجتماعية».

لقد تعمد البنا أن يقدم الجماعة من كل الأبواب الممكنة، بما يسهل تمددها، إلا أن محاولته للتذاكي كانت تحمل مسببات الفشل، حيث أصبح التنظيم بلا رؤية سياسة واضحة، وهو ما ظهر عندما تولت الجماعة السلطة في مصر، حيث حدثت تعرية كاملة واكتشفنا أنها غير مؤهلة لإدارة دولة، وأن قادتها الذين لطالما تم التفاخر بهم، اتضح أنهم لا يفقهون أي شئ في معنى الدولة.

أسست الجماعة حزب الحرية والعدالة لتقدم نفسها كتنظيم سياسي، ورغم ذلك فشلت أيضاً في تبني رؤية حزبية حقيقية، حيث لم يستطع الحزب التحرر من عباءة التنظيم، رغم كل محاولات قادة الإخوان المسلمين في الحزب التأكيد على أن حزبهم منفصل تماماً عن الجماعة إلا أنهم كانوا كاذبين، فقادة الحزب لديهم بيعة في أعناقهم للمرشد، بل إن بيان تأسيس الحزب خرج من مكتب المرشد العام، وهو ما يؤكد أن الجماعة لا تعلم أي شىء عن فقه الدولة، لذا فإن عملية التصدي لها يجب أن ننظر إليها في المقام الأول بأنها محاولة للحفاظ على شكل الدولة الحديثة.

لم تستطع قواعد التنظيم استيعاب فكرة وصولهم للحكم، يتضح هذا في مظاهر السلوك التي اتبعوها أثناء دعمهم للرئيس الأسبق محمد مرسي، حيث قاموا بعمليات التخييم والعسكرة أمام قصر الاتحادية وفي ميدان رابعة العدوية، مع وضع ترتيبات للإعاشة والتموين وتنظيم التجمهر والمناوبات، هذه السلوكيات تنم عما هو مستقر في نفوس قواعد الجماعة وهو أن هذا هو ما جُبلنا عليه، حيث تم تدريبنا على الاستعداد دائماً للمواجهة والاشتباك والبقاء في الشارع لمدة طويلة للدفاع عن الجماعة ومصالحها، حتى لو أضر ذلك بالبلاد والعباد، وهذا يؤكد أن الجماعة لا يمكن أن تنفصل عن ماضيها الذي عاشت فيه لتتحول نحو حزب سياسي حقيقي يمارس العمل السياسي في المؤسسات والشارع بشكله المتعارف عليه، لأن الشعور بالجماعة يطغى على الشعور بفكرة الدولة.

التصور الوحيد عن معنى الدولة هو الذي يقدمه مكتب الإرشاد، مهما كان مخالفاً لأي منطق، وقد اتضح أن معنى الدولة كما يتصوره مكتب الإرشاد يرتكز على عدة أسس، وهي: الالتزام بنهج المؤسس حسن البنا، واتباع التجارب الإسلامية الناجحة، حيث تفترض الجماعة أن أسباب نجاح الدول هو التزامها بمبادئ إسلامية، لذلك تقوم الجماعة بالترويج للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن مشروعه نجح لأنه قام بتطبيق معايير إسلامية أو لأنه قادم من خلفية إسلامية، وهو ما يمكن وصفه بأنه انتهاك لكل المبادىء التي تأسست عليها فكرة الدولة الحديثة وسبل نجاحها.

الجماعة لا ترى سوى مصلحة نفسها وأعضائها، أي أن الشارع كان سيصطدم بالجماعة عاجلاً أم آجلاً، حتى لو ظلت الجماعة 4 سنوات بالحكم، حيث سيكتشف الشارع أنه يتعامل مع نموذج حكم مغاير للشخصية المصرية، من حيث البعد الديني أو تفضيل الجماعة لأفرادها على باقي قطاعات الشعب، أي تأصيل جديد للمحسوبية، وهو ما يعتبر أحد أشكال الفساد.

أخبار ذات صلة

فلتتوقف الحكومات عن خفض أسعار البنزين!
الدور الرئيسي لإزالة الكربون واللامركزية والرقمنة في تحول قطاع الطاقة


لا يمكن نفي فكرة أن الجماعة وقواعدها ستكون مستعدة للاشتباك المسلح إن استدعى الأمر، هذا الاستعداد جزء من المكون النفسي والتعليمي للجماعة وأفرادها، ومن المؤكد أن وجود أي ثغرة أثناء عملية مواجهة بين التنظيم وبين الدولة، سيعني أن الجماعة ستستغلها للارتفاع بمستوى الرد المسلح وتطويره للحفاظ على المكتسبات التي توصل إليها التنظيم.