عبدالجليل معالي

تسارع حركة النهضة خطاها من أجل تشكيل الحكومة التونسية الجديدة، باعتبارها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهذا النسق الذي تسارع مؤخرا لا يخفي أزمة تعيشها الحركة، التي تواجه ورطة كامنة في تقلص هامش المناورة أمامها.

النتائج التي أفرجت عنها الانتخابات الأخيرة، والبرلمان المشتت الذي سيترتب على هذه النتائج، إضافة إلى التباعد السياسي والأيديولوجي بين أغلب الكتل الفائزة.. كلها عوامل تضافرت لتضع حركة النهضة أمام مأزق متعدد الأبعاد.. بعدٌ متعلق بتشكيل الحكومة، وأبعاد أخرى لا تقل أهمية وتتصل برئاسة البرلمان الذي تكابد النهضة من أجل الحصول عليه أو المقايضة به، زيادة على بعد العلاقة مع رئيس الجمهورية.

تدخل النهضة المرحلة السياسية الجديدة بالعقلية ذاتها التي خاضت بها المراحل السابقة، وهي عقلية «المنتصر المتعالي»، الذي يفرض شروطه على الجميع، حيث دعت أحزابا كثيرة إلى مشاركتها تشكيل الحكومة، واستثنت أحزابا أخرى (الحزب الدستوري الحر وحزب قلب تونس).

لقد تفاعلت الأحزاب المدعوة مع مبادرة النهضة بمواقف سياسية مشروطة حَكَمَها وعي نبع أولا من قناعتها بتقلص حجم كتلة النهضة مقارنة بالمحطات السياسة السابقة، واستمدت ثانيا من«تجارب سياسية مقارنة»، أكدت أن كل تحالف مع النهضة مؤداه التصدع والتحلل.. هنا رفضت حركة الشعب والتيار الديمقراطي المشاركة في حكومة النهضة، وقيدت المشاركة بشروط كثيرة، كانت بمثابة الرفض المبطن الذي قرأته النهضة على أنه تعجيز أو خوف من المشاركة في الحكم.

تقرأ حركة النهضة الزمن السياسي الراهن وفق منطلقات ثلاثة متشعبة، الأوّل: منطلق قواعدها «الغاضبة» التي تحفظت على توافقاتها السابقة مع نداء تونس، وتتوجس حاليا من استعدادها للتنازل أمام الأحزاب التي رفعت من سقف شروطها، أما المنطلق الثاني: وعيها بعدم ملكيتها المحددات التي تتيح لها تشكيل الحكومة بأريحية تمتعت بها بعد انتخابات 2014، والمنطلق الثالث هو: إدراك الحركة أن تخليها عن «حقها» في تشكيل الحكومة قد يأخذ الأوضاع إلى احتمالات ربما تعصف بوضعها ومستقبلها السياسي، ومنها فرضية «حكومة الرئيس» أو إعادة الانتخابات في صورة تواصل الانسداد.

على ذلك، فإن النهضة التي تحارب أكثر من خصم على أكثر من جبهة، تسابق الزمن من أجل استمالة أكثر ما يمكن من الأطراف السياسية حتى تتوصل إلى تشكيل الحكومة، والثابت أنه كلما تقلّص هامش المناورة واقتربت الآجال الدستورية الحاكمة لعملية التشكيل، ازداد التخبط النهضوي وارتفع الاستعداد لتقديم التنازلات.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»