د. واسيني الاعرج

أشياء كثيرة وخطيرة تمر في حياتنا اليومية لا ننتبه لها، تمر وكأنها ثانوية بينما هي في عمق جوهر الأشياء ضرورية، بل وتتحكم في مصائرنا الحالية والمقبلة.

نتساءل أحياناً إذا كنا نفكر من أجل إيجاد حلول تحمينا وتحمي مستقبل أولادنا في عالم أصبحت الأنانية تحكمه بقوة؟ فكلما تعقدت الأوضاع تم اللجوء إلى الحلول المؤقتة دون فكر حقيقي، يحكمه العقل والتصورات الاستراتيجية، تسرع كبير في إيجاد الحلول التي تولد ميتة وربما قد لا تفيد إلا في لحظتها.

وفي ظل وضع كهذا يجب ألّا نتفاجأ بالفكر الارتدادي الذي ينمو تحت الأرض ماحياً في طريقه كل علامات العصر والتاريخ ومخرجات الحداثة، مكتفياً بالمرجع الأصولي الذي لا يكلف أي جهد لأنه يضمن حالة الثبات، وربما كان هذا ما تريده الآلة الاستعمارية الغربية.

فالغرب غَربان، غرب العقل والتنور وتقاسم المعرفة الإنسانية والتضامن في لحظات الشدة وهو موجود لكنه ضعيف أمام غرب الجشع والنهب الذي هيمن على كل شيء ولا يهمه المصير العربي، إذ أصبح اليوم يتحكم في أنفاس الاقتصادات العربية والعالم الثالث، وكلما قامت هذه الدول لتحمل مصيرها التاريخي، وضع لها الكوابح ليخرج من مخابره داعش وأخواتها.

وبانتصار الفكر الأصولي على كل مناحي الحياة، تراجعت إمكانات العقل وتقلصت بقوة، وكل ما ظنناه حداثة ستخرجنا من التبعية الفكرية وتقذف بنا نحو العالم الحديث، لم يكن إلا جزراً معزولة في مناخ عام معادٍ لكل تنوير وتحضر.

إن المحصلة في النهاية، انتصار نوع آخر من التفكير، أقرب إلى الخرافة منه للمعرفة، أي اللاعقل، وفي ظل هيمنة اللافكر وتعطل العقل النقدي، يتراجع يوماً بعد يوم الفكر التنويري.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»


إن العقل في النهاية معرفة وتحصيل وجهد كبير، وليس توريثاً تلقائيا كالغيب والخرافة، أي أنه يحتاج إلى تعب وجهد مسبق، لكي يصل إلى قوته التي يفصل فيها بين الأشياء.

على الرغم من الانفتاح العربي على المنجزات التقنية العالمية وكثرة المدارس، وفتح آلاف الجامعات ومراكز البحث، لا يزال الفكر التنويري يراوح مكانه، بل تراجع كثيراً إلى الوراء ليوضع في خانة الأعداء والتكفير من طرف الأنظمة الديكتاتورية نفسها التي تدعي العلمانية، وإلا كيف نفسر فوز التيارات التي تتخفى وراء الدين السياسي في كل الانتخابات المصيرية؟ وبالأحرى وراء الغيب، لأنها لا تتعامل مع الدين كقيمة روحية فردية بالدرجة الأولى ولكن كوسيلة للسيطرة على كل مناحي الحياة.

لم يعد شيء من الدين في هذه الحركات، فهي تمارس فعلاً سياسياً بامتياز وليس دينياً، أي أنها في مساحة يصنعها البشر حتى ولو بدت في ظاهرها ذات طابع ديني، فهي غشاوة رقيقة تخفي بصعوبة الحقيقة المتخفية، وهي الحركات السياسية التي تستعمل الدين للوصول إلى السلطة.