الحراك السلمي مقابل المواجهات العنيفة، خطاب المطالبات مقابل خطاب التخوين، هذا ما وقع في موجة الاحتجاجات في كل من العراق وإيران وأحيانا، بدرجة أقل في لبنان.
ففي المواجهات الأخيرة التي نشبت بين المتظاهرين الإيرانيين والقوات الأمنية تشير المصادر إلى مقتل أكثر من 100 متظاهر في أقل من أسبوع، هم لا يريدون شيئا إنهم فقط يحتجون على ارتفاع سعر البنزين بنسبة 50% التي لا يملكون دفعها.
الملفت دائما أن الأنظمة الدكتاتورية لا تدير أي نوع من الحوار مع المحتجين، ربما تفتعله مع بعض المعارضات الصورية أو الشخصيات الكرتوية التي توصف بـ«المثقفين» أو «الوجهاء»، لكنها تنظر إلى شعوبها الفقيرة المغلوبة على أمرها، على أنهم «رعاع، غوغائيون»، حين يحتجون غضبا من المساس بأولويات حياتهم المعيشية.
لماذا تخشى الدكتاتوريات شعوبها؟، ولماذا تجبر في كثير من الأحيان بعض أفراد شعبها على التعامل مع جهات خارجية، بقصد أو بغير قصد، لطلب المساعدة ضد النظام؟.
إن خطابات التخوين والإساءة إلى الشعوب تزيد من الهوة العازلة بين الطرفين، وتقطع خيوط الحوار والتفاهم على القضايا الحيوية والتي تولد صفوفا جديدة من الناقمين، وتفتح البلاد على مصراعيها للتدخل الخارجي.
بمقارنة بسيطة بين احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا والمحتجين في كل من العراق ولبنان وإيران، نجد أنه لم تتم الإساءة إلى أصحاب السترات الصفراء، أو اتهامهم بما يطعن في وطنيتهم وانتمائهم لفرنسا برغم الحرائق المريعة التي أشعلوها في الشانزليزية أشهر الشوارع التجارية في باريس، وقد اجتمعت الحكومة الفرنسية مرارا مع ممثلينهم وناقشت مطالبهم بكل احترام حتى وإن لم تستجب لها بعد.
نحن الشعب، ونحن الحكومة، ضديتان تَبرزان دائما في الواقع الدكتاتوري، ولن توصلا إلى حل في ظل وضع يزداد تأزما.
إن الوصاية التي تمارسها الدكتاتوريات ضد إحساس الشعوب بالغضب، الذي لن تتمكن من كبته طويلا، والتهديد بالفوضى العارمة لم يعد أسطورة، فأحيانا تشعر الشعوب المنهكة أنها لم تعد تمتلك شيئا لتخسره، فقد خسرت الخبز والوقود وفرص العيش الكريم. فماذا بعد؟.