فؤاد حلمي، مستشار قانوني ـ الإمارات

على نهر التايمز في مقهى يدعى لويدز، الذي أنشأه إدوارد لويدز عام ،1688 بدأت حكاية التأمين وصناعته، حيث كان رواد هذا المقهى من أصحاب السفن البحرية ومن الأشخاص المهتمين بالملاحة البحرية، وكانوا يتداولون فيما بينهم حكايات عن المخاطر التي يتعرضون لها في أعالي البحار أثناء رحلاتهم البحرية والتي تعرضهم للخسائر، إلى أن جاء شخص اقترح عليهم فكرة للحماية من الخسارة، وهي القرض البحري المسمى بـ«عقد المخاطر الجسيمة».

وكان هذا القرض البحري يعطى لكل من صاحب السفينة وصاحب البضاعة بقيمة كل من السفينة والبضاعة، مقابل فائدة قانونية باهظة، فإن هلكت السفينة وما عليها فإن المقترض يرد أصل القرض إلى المقرض.

كذلك وبمقتضى هذا العقد يقترض صاحب السفينة مبلغاً من المال لإصلاحها وتجهيزها، أو يحصل بمقتضاه صاحب الشحنة على مبلغ يوفي به ثمن البضاعة التي تتكون منها الشحنة، وتكون السفينة أو شحنتها في الحالتين ضامنة لاسترداد مبلغ القرض وفوائده.

كما يتضمن هذا الاتفاق أيضاً شرطاً يقضي بأنه إذا غرقت السفينة أو أصاب شحنتها تلف، فلا يسترد المقرض شيئاً، أما إذا وصلت سالمة، التزم المقترض برد مبلغ القرض مع فائدته الباهظة غير أن الكنيسة الكاثوليكية اعتبرت أن هذا العقد غير شرعي لما يتضمنه من فوائد محرمة في العقيدة المسيحية، فحرمت اشتراط الفائدة في جميع القروض ومنها القرض البحري، وأدت فتوى الكنيسة إلى ظهور نظام جديد، يقترب إلى حد بعيد من عقد التأمين بمعناه الحالي، لمواجهة المخاطر البحرية.

وقد تمثل هذا النظام في عقد بيع معلق على شرط فاسخ، بمقتضاه يتفق شخص على شراء السفينة وما عليها من البضاعة بثمن يدفعه هذا المشتري (المؤمِّن) إذا لم تصل البضاعة سالمة، وهذا العقد كان يتضمن شرطاً فاسخاً، بمقتضاه يكون البيع مفسوخاً إذا وصلت السفينة إلى ميناء الوصول، مع تعهد صاحب السفينة، وهو في نفس الوقت البائع والمؤمَّن له، بدفع مبلغ معين للمشتري مقابل تحمُّله هذه المخاطرة.

ويرى الشرَّاح أن عناصر عقد التأمين الأساسية قد وجدت خلال تطور هذه العملية، فهناك العوض المالي الذي يجب دفعه عند وقوع الكارثة، وهناك القِسط وهو مقابل تحمّل الخطر، وكذلك الخطر المؤمَّن منه، إلى أن تطور الأمر بالوصول إلى فكرة وثيقة التأمين البحري المعاصرة، والتي بموجبها تتعهد شركة التأمين ـ مقابل قِسط ـ بدفع مبلغ التعويض حال تحقق الخطر الذى يشمله عقد ووثيقة التأمين.

أخبار ذات صلة

فلتتوقف الحكومات عن خفض أسعار البنزين!
الدور الرئيسي لإزالة الكربون واللامركزية والرقمنة في تحول قطاع الطاقة


وفي القرن الـ17 حيث شب حريق هائل في لندن دمَّر كاتدرائية القديس بولس الكبيرة و89 كنيسة وأكثر من 13.000 منزل، ولم توجد أي وسيلة لتعويض الخسائر الناجمة عن هذا الحريق، وقد أدت هذه الحادثة الكبرى إلى ظهور الحاجة إلى التأمين ضد الحريق.

وفي سنة 1681 أقدم الاقتصادي نِقولا باربون على تأسيس أول شركة تأمين ضد الحريق بالتعاون مع 11 شخصاً، وأطلق عليها تسميه «مكتب التأمين للدور» (بالإنجليزية: The Insurance Office for Houses)، وأبرم حوالي 5 آلاف صاحب منزل عقوداً معها.

ومن إنجلترا انطلقت فكرة التأمين ضد الحريق إلى كثير من البلدان: منها فرنسا، والتي تكوَّنت فيها أول شركة لتأمين مخاطر الحريق في سنة 1750.

ويُلاحظ أن التأمين ضد خطر الحريق كان في البداية مقصوراً على العقارات فقط الى أن تطور ليشمل المنقولات أيضاً، وشهدت نهاية القرن الـ18 الميلادي انتشار التأمين ضد الحريق في البلاد الأوروبية والأمريكية بكافة خصائصه القانونية والفنية المعروف بها الآن.