عبد اللطيف المناوي

تسع سنوات مرت على الأحداث التي شهدتها مصر، والتي انتهت بسقوط حكم الرئيس حسني مبارك، لكن يظل من المفيد ـ دائما ـ أن نعيد قراءة المشهد من جديد.

إن أكثر ما يميز عصر الرئيس مبارك، هو أنه عصر الفرص الضائعة؛ فالعديدِ من الفرص كان في المقدور التعويل عليه ليكون بدايةً حقيقية للتحرك إلى الأمام.. لاستعادة نهضة الدولة المصرية، إلا تلك الفرصُ؛ ضاعت الواحدةُ تِلوَ الأخرى.

أول هذه الفرص كان عام 1982، عندما أطلق الرئيس مبارك سراح كلِّ المعارضين السياسيين، الذين كان الرئيس الأسبق أنور السادات قد اعتقلهم في الأحداث التي أطلق عليها أحداث سبتمبر، والتي كانت أحدَ أهمِّ الأسباب الرئيسية؛ لاغتياله يوم 6 أكتوبر 1981.. لقد كانتْ فرصةً ذهبيةً؛ لكي تلتفَّ حولَه كافّةُ التيارات السياسية في تلك الفترة، ويخلقَ مُنطلقًا للتعاون، لكنّها فرصةٌ لم تستغلْ.

الفرصة الثانية المهمة كانت عندما تعرَّضَ الرئيسُ مبارك لمحاولة اغتيال فاشلة في أديس أبابا في 26 يوليو من عام 1995، وقد تمكَّنَ من العودة إلى بلده، عندئذٍ التفَّ الشعبُ حوله، واكتسبَ على اثرها شعبيةً جارفة؛ نتيجةَ حالة التعاطف الكبيرة مِن قِبَل المصريين، ولكنَّ القائمين حوله في بلاط الرئاسة حوّلوها إلى شكلٍ من أشكال الموالد الهزْلية البدائية؛ حيث ساقوا العديد من أهالي المحافظات والمدن المصرية في مظاهراتٍ منظمة؛ ليحيّوا ويُهنِّئوا الرئيس بسلامته، وبدلًا من أنْ تكونَ مناسبةً يتمُّ البناء عليها، تحولتْ إلى مسخٍ، وموقفٍ هزليّ كان محلَّ سخريةٍ، حتى منْ أولئك الذين شاركوا في هذا الموقف الهزلية.

لقد كانتْ معركةُ مصر ضدّ الإرهاب قائمةً طوال تسعينيات القرن الماضي، والتي شهدتْ التفاف المصريين جميعِهم، أو معظمِهم، حولَ نظامهم الذي يحكمهم، يجمعُ بينَهم همُّهم، ويُوحِّدهم الإحساسُ بالخطر المشترك. أقول: إنَّ الإحساسَ والالتفافَ كليهما، كانا جديرينِ بأنْ يُستخدما في توحيد صفوف الدولة والحكم مع المواطنين، لكنَّ بدلًا من ذلك، استخدم الأمنُ الداخلي خطرَ الإرهاب وسيلةً يبرّرُ من خلالها استمرارَ الإجراءات الاستثنائية، دون البحث عن أسلوبٍ يضمنُ تأمين البلاد في فترة الإرهاب، كما استخدمَ الأمنُ الداخليُّ خطرَ الإرهاب أيضا فزَّاعةً في وجه النظام؛ يُذكِّره دومًا بأنَّ سلامتَه وأمنه يتحكم فيهما الأمن، وأنه لا مجالَ للاستغناء عنه.


أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»