صالح البيضاني

لا تقل ورطة تركيا - أردوغان الأخلاقية عن ورطتها السياسية والعسكرية في الملفين السوري والليبي، حيث وجدت انقرة نفسها غارقة في الصراع كطرف مباشر بالرغم من الحرص على التعامل ببراغماتية مفرطة واستغلال التناقضات الدولية واللعب على كافة الأوراق.

ووضع أردوغان إحدى قدميه تركيا في مربع المصالح الروسية - الايرانية مقدما نفسه كحليف إقليمي موثوق قادر على ابتزاز المنطقة، بينما وضع قدمه الأخرى كحليف للاتحاد الأوروبي وأمريكا وعضو في الناتو يتعرض للتنمر روسي من دون أن يحصل على أي دعم مفترض.

أرسلت تركيا المئات من السوريين للقتال في ليبيا كمرتزقة لصالح أجندة التوسع التركية وأحلام أردوغان الامبراطورية، وأرسلت الآلاف من اللاجئين السوريين في ذات الوقت على شكل موجات بشرية جديدة نحو أوروبا، بهدف تحقيق أهداف سياسية وابتزاز دول الاتحاد الأوروبي، لانتشال أنقرة من ورطة مغامراتها العسكرية في سوريا وليبيا التي أسفرت عن مقتل العشرات من الضباط والخبراء والجنود الأتراك حتى قبل أن تبدأ مهمتهم المستحيلة.

أثبتت سياسات تركيا في عهد أردوغان ان أرادة الدولة التركية مختطفة من قبل ديكتاتور مصمم على توريط بلاده في ملفات شديدة السخونة، تفوق قدرة أنقرة وتتجاوز إمكانياتها الجيوسياسية على امتصاص النتائج الكارثية لهذه المغامرات، التي ظهرت أولى ملامحها بسرعة غير متوقعة على شكل توابيت عائدة من خلف الحدود لجنود وضباط جيش تم إذلاله قبل سنوات قليلة، ودهست كرامته العسكرية في شوارع المدن التركية على أيدي عناصر تابعة للتيار السياسي الذي يقود تركيا نحو المجهول ويقود جيشها إلى الجحيم.

تعيش تركيا واقعا معقدا في الداخل نتيجة الاحتقان السياسي وانسداد أفق الديمقراطية واستمرار إجراءات التجريف التي يمارسها أردوغان وحزبه، الأمر الذي دفع أبرز المحيطين بالرئيس التركي للتنصل من سياساته واتخاذ موقف مغاير ومحاولة التمايز، وتترافق تداعيات الانهيار السياسي مع مؤشرات متصاعدة على انهيار اقتصادي رديف، ناتج عن ممارسات غير محسوبة النتائج وعبث متواصل بمؤسسات الاقتصاد التركي.

لا يبدو أردوغان نادما حتى اليوم على أي قرار اتخذه، بل إن هروبه للأمام نحو إلهاء الشارع التركي بالصراعات الإقليمية، يشير إلى غياب الواقعية السياسية والإصرار على جر تركيا نحو المزيد من الأزمات التي لا تحقق أي هدف سوى إطالة عمر الخليفة المزعوم في قصره الزجاجي.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»