عماد أحمد العالم

يقول عالم الفلك كارل ساغان: «الادعاءات الاستثنائية تتطلب أدلة استثنائية»، وبناء على ذلك قد يصح القول: «أنا أفكر إذا أنا موجود وأنا أشكك فأنا يقظ»، ولا تعني أبداً أنني متغطرس وأنظر للآخرين بفوقية نتيجة ما أمتلكه من معلومات ومعرفه.

صحيح أن التشكيك سلوك مستهجن اجتماعياً ومرفوض من قبل الغالبية التي تصف فاعلها بالنرجسية والاستكبار، لكن من الواجب أن نعطي التشكيك حقه ونمنحه النصف الإيجابي المتغافل عنه، بعيداً عن خوفنا من أن نوسم بالمشككين، فهذا العالم الذي لا يعد البشر فيه سواء من حيث القيم والأخلاق الحقة، يشهد تزايداً ملحوظاً في النصب والاحتيال والشائعات والأخبار المغلوطة والمعلومات المضرة، حيث لم تمنع القوانين والأديان البشر من التجرد من الشرور، حتى إن بعض أهل المكانة قد استغلها لتضليل الأفراد لتحقيق غايات شخصية غير قويمة ومضرة.

التشكيك يستمد فاعليته من التفكير، الذي بدوره يغذيه السؤال والتأمل والنباهة والمواجهة والمحاججة بغرض إجلاء الحقيقة، فحين يتحدث شخص ما في مجلس عن حكاية خرافية طعّمها بما يزغزغ عاطفة وخوف من حوله لتصديقها وتقبلها، ينبغي هنا على العاقل أن يواجهه ويطرح عليه رأيه المشكك في روايته، ولتحقيق ذلك ينبغي طرح الأسئلة التي يتحتم أن تكون إجاباتها منطقية تدعمها الأدلة والبراهين، مع مشاركة الحضور الفكرة وتقديم ما يؤكد منطقيتها بعيداً عن إعطاء الإيحاء السلبي بكون المشكك يفرض الرأي بالقوة مستحقراً الآخر ومقللاً من شأنه، حينها ستكون أنت المشكك اللئيم ومقابلك المتحدث المسكين، وخصوصاً إن كانت مكانتك الاجتماعية ودرجاتك العلمية أعلى منه، فوقتها سيظن الجميع أنك مزهو بنفسك، وسيمطروك بهجوم من قبيل: «أن الحياة أعظم جامعة في الكون، وأن الخبرات بها أكثر قيمة من الشهادة الكرتونية التي حصلت عليها»، كما أن الجهل باللغات الأخرى وعدم معرفة قانون نيوتن في النسبية لا يعني الجهل والسذاجة، فهناك من لم يكملوا دراستهم لكنهم أنبه من خريجي الجامعات والباحثين.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»

من الإنصاف التذكير هنا بأن الحقيقة والصواب لا يقومان على المراتب المجتمعية، وقد ينبعان من البسطاء والأقل حظاً في التعليم على حساب الكذب والخطأ، الذي يتصدره أحياناً الأعلى مرتبة وفق التصنيفات الوضعية، فالجوهر المتمثل بالصواب هو الرسالة الأهم لا الخطأ الذي يتمثل بالمظهر، كما يصفه المثل القائل: «المظاهر تكذب وكذلك العدالة عمياء لأنها لا ترى المظاهر».