مالك العثامنة

يبدأ الأمر بمنظومة «أخوية» يجتمع منتسبوها على فكرة سياسية أو اجتماعية ما، تتحول إلى عقيدة صلبة بينهم، فتصبح الرابطة تسعى للاستقطاب الترويجي، التبشيري، الدعوي، ليكبر حجمها وتفرض على المجتمع عقيدتها تلك، وفي الطريق تقصي أي فكر مخالف لعقيدتها.

هكذا بدأت مثلاً منظمة «كو كلوكس كلان» (KKK) عام 1866 على يد حفنة ضباط سابقين في الجيش الكونفدرالي المهزوم في الحرب الأهلية، ليتم سحقها «عسكرياً» لكن وجدت طريقها بعد ذلك عدة مرات في التاريخ الأمريكي، إلى أن انتهت اليوم كعصابات خارجة عن القانون تحت طائلة عقوبات قوانين الكراهية والتمييز.

والأمثلة كثيرة في كل تاريخ البشر والأمم، لكن ما يجمع كل تلك الحركات والتيارات، هو تبنيها المباشر لمفهوم «إقصاء الغير» والغير هنا يشمل كل من لا يتفق مع تلك الجماعة التي تنتظم على فكرة إقصائية في أساسها.

الأخطر من بين تلك التنظيمات «الأخوية» هي تلك التي تستند على المقدس الديني كحجر أساس لأفكارها، وتعمل على تطويع الدين ما استطاعت إلى ذلك، بكل السبل لتوظيفه خدمة لأفكارها العصبوية، والخطورة هنا تكمن في أنها قادرة باستخدام ذلك الخطاب الديني أن تضع «هلوساتها» ضمن خانة المقدس، ما يجعل نقد ذلك المقدس كفراً بالدين، وتلك مشكلة، خصوصاً في العالم العربي ذي الأغلبية المسلمة والمتشظي بصراعاته الطائفية واحتقاناته المذهبية المتواترة تاريخياً.

فالكفر هنا تهمة عقوبتها الإعدام، إذ يكفي لإصدار الحكم فتوى باسم الدين يلقيها صاحب لحية يحفظ النصوص بما يكفي لتنصيبه عالماً وفقيهاً، ويكفي لتنفيذ الحكم أن يقوم به أي معتوه من خلال فتوى «الفقيه

فرج فودة كان ضحية فتوى دينية مقدسة، وعلى يد معتوه لم يقرأ له كتاباً واحداً، ونجيب محفوظ كان أيضاً ضحية فتوى أزهرية ومعتوه آخر.. وفي الأردن، كان الراحل ناهض حتر ضحية فتاوى إلكترونية» غضت الحكومة، بتواطؤ مقصود، الطرف عنها لتنتشر فيلتقطها معتوه ظلَّ، حتى يوم إعدامه، مقتنعاً بأنه سيدخل الجنة صعوداً من غرفة الإعدام.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»


في الماضي، كان انتشار الفكرة قرناً كاملاً لتصبح منظمة فاعلة تثير الرعب، وهذا طبيعي في عصر ما قبل ثورة الاتصالات، لكن ما بعد ثورة المعلومات، فإن الفكرة تنتشر بسرعة الضوء وتتوسع وتتفاعل إن لم تجد لها رادعاً، وفي حال كانت إقصائية، فإنها تلغي الآخر وكل إنسانيته باسم المقدس.

والردع لا يكون إلا بانتشار الوعي، هو مضاد الفيروس الفكري الوحيد أمام وباء التطرف الذي يعيش بالعتمة ولا ينهيه إلا قبس من تنوير.