د. طلال عوض الخزرجي

«أنا الأفضل» جملة السوء التي ألقاها إبليس بين ذرية بني آدم منذ بدء الخليقة، هي جملة العنصرية البغيضة التي تأصلت في البشر، حتى كدنا نعتقد أنها جين من الجينات، فقد غُرست في اللاوعي الإنساني بعمق، إنها فكرة تُجسد قضية التفوق العرقي ومفهوم الدونية.

إن أول جريمة قتل في تاريخ البشرية كانت جريمة «عنصرية» بامتياز، وهي قتل هابيل لأخيه قابيل رغم أنهما من نفس الأب والأم، لتثبت «أنا الأفضل» أنها الخنجر القاتل في كل الأزمان والعصور، فليست هنالك حضارة أو مجتمع إلا وكان لديه شيء من عنصرية، وتشهد وقائع التاريخ بذلك.

«أشكر الآلهة أنني عشت في عصر سقراط، وأشكرها أنني إغريقي ولست بربرياً»، جملة قالها الفيلسوف اليوناني أفلاطون والتي حملت من العنصرية ما تنوء به الجبال، وفي كتاب السياسة لأرسطو المكتوب في القرن الثالث قبل الميلاد كان أول من تكلم عن الأعراق وتصنيف البشر وتبرير استعبادهم.

ورغم أن كل الأديان السماوية قد أمرت بالمساواة، وأنها أكدت أن الأفضلية بين البشر هي ما ينقل إلى السماء من صالح العمل، إلا أن أتباعها طبقوا «شرعهم» في الأرض.

وعندما يعتقد شعب أنه شعب الله المختار وأنه الأفضل، وعندما يختزل المسيح عليه السلام والملائكة في البشرة البيضاء وبالشعر الأشقر والعيون الملونة فسيعتقدون أنهم «الأفضل»!، وعندما يساء تفسير «كنتم خير أمة» فهو كذلك!

من سخرية البشر وعنصريتهم، عندما نشر تشارلز داروين كتابه «أصل الأنواع» عام 1859، حيث يقسم البشرية إلى أعراق، لمّح بكل وقاحة إلى أن الجنس الأبيض يفوق تقدماً وتمُيزاً باقي الأعراق.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»


وعندما يكون كتاب «ابتداع العنصرية في العصور القديمة الكلاسيكية» للبروفيسور إسحاق بنيامين، الذي يضع النقاط على الحروف لجميع قضايا العنصرية المستعصية عبر التاريخ في محاولة لفهمها وتحليلها، وتسقط من ذاكرته العنصرية قضية الشعب الفلسطيني المقهور، هنا أيضاً تكون سخرية الإنسان والزمن في أبهى صورها!

نحن لسنا مسؤولين عن الخلق والقيم المشوهة التي تشكلت لدينا في مجتمعاتنا، ولكن بالتأكيد نتحمل مسؤولية عن كيفية التعامل معها.