مصطفى طوسه

من يقرأ التصريحات الملتهبة والانتقادات العنيفة المتبادلة بين باريس وأنقرة يقتنع بأن البلدين أضحيا على شفا حفرة من المواجهة العسكرية، وكانت السياسة العدوانية التي تتبعها تركيا في ليبيا عندما أنزلت مجموعاتها الإرهابية لنصرة حكومة الوفاق الوطني في محاولة لقلب موازين المعادلة السياسة والاستراتيجية في المنطقة هي التي أفاضت كأس الخلافات، بعدما قايضت مساعدتها باتفاق أمني حول الحدود البحرية في شرق المتوسط وحصولها على امتيازات غير مسبوقة على التراب الليبي.

الخلاف التركي ـ الفرنسي كان قد أخذ أبعاداً عسكرية وسياسة في سوريا عندما اختلف البلدان في ترتيب أولويات الأجندة الإقليمية، حيث كانت فرنسا تحارب تنظيم داعش الإرهابي مستندة ميدانياً إلى الأكراد، بينما تركيا فضّلت التحالف الموضوعي مع الإرهاب الداعشي وخلاياه المتمددة في المنطقة واستهدفت بتركيز قاتل ومدمر القوات الكردية معتبرة إياها خطراً حيوياً على الوحدة التركية.

ولكن عندما انتقل هذا الخلاف بكل زخمه من سوريا إلى ليبيا التي تبعد عن الضفة الجنوبية للاتحاد الأوروبي ببضعة كيلومترات تغيرت الرؤية، وأصبح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتقمص حسب رأي الأوروبيين عامة والفرنسيين على الخصوص، شخصية المهدد للأمن الإقليمي والمصالح الأوربية.

فهو عبر خطواته في لبيبا يشجع الفوضى عبر استنساخ النموذج السوري الذي سيترتب عنه حتماً انتعاش للمجموعات الإرهابية التي تهدد بضرب العمق الأوروبي، وتشجيع قنوات الاتجار بالبشر.

ومند أن صدرت عن القاهرة رسائل حازمة عن استعداد المصريين للتدخل عسكرياً في لبيبا لردع التمدد التركي، باشرت فرنسا حقبة جديدة في الضغوط على تركيا، حيث ستنفذ استراتيجيتها عبر خطوتين أساسيتين، الأولى عبر محاولة توحيد الموقف الأوروبي وجعل مقررات مؤتمر برلين الأرضية الوحيدة لإطلاق الحل السياسي، من خلال الزيارات والاتصالات المكوكية التي يقوم بها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان مع إيطاليا وألمانيا وبريطانيا.

أما الخطوة الثانية، فتتم عبر مسألة الدور الأمريكي الذي أعطى انطباعاً في الفترة الأخيرة بأنه يشجع تمادي الأتراك في المنطقة بهدف إحباط المخطط الروسي في البحر الأبيض المتوسط.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»


وهنا تطرح بحدة إشكالية مظلة الحلف الأطلسي التي تستعملها تركيا لتحييد أي خطوة عسكرية أوروبية لمواجهتها.. حلفٌ سبق أن قال عنه الرئيس إيمانويل ماكرون إنه في حالة موت سريري.