عبدالله حسين مهندس كيميائي - اليمن

أما آن للعرب أن يشمروا عن سواعدهم، وينفضوا الغبار الذي تكدس في أذهانهم عن عظمة الرئيس رجب طيب أردوغان وإنجازاته، التي ما طالت إلا رقاب المستضعفين ودماءهم؟

قد يرى البعض أن الخطر المحدق ـ الذي يلوح في أفق البلاد العربية ـ من تدخل تركيا في سياساتنا وسعيها الدؤوب لتقويض أمننا، ونشر ذيولها الإرهابية وخلاياها النائمة في بعض دولنا مجرد سحابة صيف تظهر وتختفي! وربما يرى آخرون أن توغل جيش أردوغان، وانتشار أرتال ميليشياته في دول عربية بشكل رسمي ومباشر، ووجود حاضنة إخوانية لهم في دول أخرى بنسب متفاوتة.. حق من حقوقهم السياسية!

غير أن تلك ترهات وأكاذيب وآمال سرابيَّة برع أردوغان في ترويجها خلال العقدين الماضيين، إما في خطاباته الرنانة التي يحشد لها أتباعه موهماً إياهم بعودة الدولة العثمانية الزائلة، أو عن طريق الدراما التركية التي تظهر قوة تركيا البلاستيكية ومجدها الزائف.

لقد برع أردوغان في الخبث أيضاً، فتارة يستثمر بأسى اللاجئين السوريين، ويهدد أوروبا بهم إن لم تضخ له الأموال، وتارة أخرى يبتزها بهم لتصمت عما تقترفه أيادٍ إرهابية من جرائم بحق الأكراد.

ولم يكن ذلك كافياً لأردوغان، فبدأ بجلب آلاف الإرهابيين من شتى بقاع العالم وأدخلهم إلى سوريا ليعبثوا بها، ويهلكوا الحرث والنسل، وأصبح استيطان جيشه شمال سوريا حقاً من حقوقه «الكاذبة» لحماية حدود دولته على حد قوله، ولم يسلم من جنازير دباباته أحد، فالكل كان عدوه الذي ينبغي أن يُقتل بغض النظر عن دينه وطائفيته.

أخبار ذات صلة

فلتتوقف الحكومات عن خفض أسعار البنزين!
الدور الرئيسي لإزالة الكربون واللامركزية والرقمنة في تحول قطاع الطاقة


ثم اتسعت رقعة الأطماع لدى الرئيس التركي، واتجهت أنظاره إلى شمال أفريقيا فهو يعلم ما يمثله شرق المتوسط من مجال حيوي للسياسة الأمنية التركية، ويتضح ذلك جلياً في التنافس الإقليمي الشرس حول التنقيب عن الغاز قبالة السواحل الليبية، فبدأ بحطَّ رِحال مقاتليه في ليبيا، ونقل إليها عشرات الآلاف من المرتزقة السوريين والإرهابيين الأجانب، الذين نشروا الفوضى وقوضوا أمن ساكنيها وبدؤوا في نهب مواردها الطبيعية.

إن حلم أردوغان الذي يصبو إليه جاهداً هو جعل الدول العربية حديقة خلفية للتوسع العثماني، فأصبح يدعم الفكر الإخواني الإرهابي، ويجلب فكر هذا التنظيم الهدام إلى سدة الحكم، ويجعله تابعاً لهيمنته ومنفذاً لأجندته السياسية الواهية.

إن الغفلة التي حجبت عين الحقيقة عن البعض ممن راحوا يصفون أردوغان بأنه «ظل الله في الأرض» و«الفاتح القادم»، ليست إلا محض أحلام يراها المنهزمون الخاضعون، حينما كشف «الربيع العربي» القناع عن وجه أردوغان وأظهر حقيقته الاستبدادية المتأصلة، كمتعهد رسمي للمشروع الغربي في نشر الفوضى في المنطقة وتدمير الدول العربية وتهجير ساكنيها.

ولا يزال أردوغان المفتون بحلمه يحاول جاهداً تلميع صورة تركيا ونيل ثقة الدول العربية، إلا أنه ظل معزولاً عن نيل مراده، باستثناء قطر من الجانب العربي، التي انسلخت عن مبادئها العربية، واندفعت نحو أوهام المد العثماني، وصارت بذلك الخزينة المالية التي يسدد منها أردوغان فواتير حربه ضد المستضعفين، والمرتع الخصب لمنظماته الإخوانية الإرهابية.

لذا كان لزاماً أن يستفيق العرب من سباتهم الذي طال، إذ كان بعضهم ينعم بأوهام خطّها له أردوغان الإخواني على رمال الشاطئ، بأنه الزعيم المختار الذي ينبغي أن يُقتدى به، والمحرر القادم الذي سينهي احتلال فلسطين، ويرمي بالعدو بعيداً عن أسوارها.

لكن، ومع تنبه دول عربية مثل: السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين، والكويت لمساعي أردوغان وتوجهاته السياسية في المنطقة، أصبح هذا الحلم بعيداً وسراباً يصعب الوصول إليه، بعدما قامت تلك الدول بتعرية مخططات تركيا وفضح تنظيماتها الإخوانية الإرهابية أمام العالم.

فمتى يقتنع أردوغان بأن سقف طموحاته قد خَّر وانهدم؟.. ومتى يَعِي أن الوصاية العثمانية على العرب قد انتهت، أمام صمود العرب وحرصهم على أوطانهم؟