سارة المرزوقي

كنتُ قد شاهدتُ الصور الأخيرة للسيدة «فيروز»، إبان زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في منزلها، الواقع بمنطقة الرابية في إنطلياس جبل لبنان، ولا أعرف لماذا لم أُفاجأ بإطلالتها، وكأنها هي ذاتها فيروز التي صافحت إدراكي الأول بها وأنا طفلة، وصافحت عالمي حين شاهدتها على أرض الواقع ذات يوم.. أتأمّلها وهي تعجن خبز أغنياتها في روحي، ليصبح زادي مع مرور الأيام. قليلها كثير، يُبهج ويُضيء، في صمود يمتزج بالرقة، وفي تكوين لا يشبه إلا فيروز وحدها.

في صورها الأخيرة، خجولة وهادئة كما بدت لي.. ثابتة وذات هالة تطوّق منزلها المكوّن من طبقات من الحكايات والذكريات، منغمسة في البساطة ومحاطة بالفن، ومتصالحة مع فكرة النأي، وهي بعد أن أحسنت بناء ذائقتنا ومهّدت الطريق لأبجدية فنية جديدة، يكفينا أن نعرف أن «جارة القمر» مطمئنة في مدارها، ترتحل فيه ترانيم وصلوات بغدٍ أفضل. ثم لا تزال تنثر فيروزها عبر أثير الإذاعات، فيصبح كل شيء رائقاً في الحزن والفرح.

ولعلّ هذه الرقّة لا تكون إلا في عالم فيروز ولغتها الخاصة، وربّما هذا ما يبرّر عزلتها ـ بعد أن أدّت رسالتها ـ بعيداً عن كل ما يحدث في هذا الواقع المرير، من قلاقل وصراعات. لكنها ليست الرقة التي تؤول إلى هشاشة على أي حال، فصورها الأخيرة، تنطق بكثير من الوقار والهيبة الأنيقة. وأثناء ابتسامتها الخجلى، يستريح لبنان من التعب برهة، ثم يعود يقاوم من جديد.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»

لربما حظي جيلنا بفيروز، لكن الجيل القادم بحاجة إلى المزيد من الظواهر الفنية الجميلة ليزيّن بها عمره. وربّما علينا أن نفتّش كثيراً، ونبني أكثر في سبيل بناء ذائقة فنية راقية تكمل المسيرة.