لميس فايد

كثر اللغط مؤخراً مع توقيع «اتفاق إبراهيم» حول مفهوم الأديان الإبراهيمية، وبكل أسف تم تشويه هذا المفهوم الكبير ــــــ الذي نشأ في فترة ليست ببعيدة ــ في الدراسات الدينية ومقارنة الأديان، وتسفيهه، دون أي قراءة أو اطلاع، والحكم عليه بجهل مطبق حتى بالتراث الإسلامي، وفي أخص خصوصيّات الثقافة العربية والإسلامية.

هذه الرؤية المقارنة للكتب الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام ليست وليدة اليوم، بل هي نتيجة تاريخ ممتد في التراث الإسلامي نفسه، وإن كان التعاطي في القرون الوسطى كان بهدف نفي الحقيقة الدينية عن الطرف المنافس، ما بين المسيحية والإسلام مثلاً، أو ما بين اليهودية والمسيحية في الممالك الإسلامية، ومن جهة أخرى هناك تراث كبير في المقارنة والحوار الديني بين الإسلام واليهودية في الممالك الإسلامية.

إذن الحوار والمقارنة والاطلاع ليس وليد فكرة غربية ماسونية أو مؤامرة صهيونية كما اعتاد الإعلاميون والأكاديميون العرب في التعاطي مع الأفكار، التي لا تتوافق مع رؤيتهم وتفسيرهم للعالم والآخر، لا سيما إذا كان هذا الطرف الحاضر في الصراع هو الطرف اليهودي أو الإسرائيلي.

لقد اعتاد الخطاب الثقافي والإعلامي العربي على التعاطي الساذج مع الإسلام والمسيحية واليهودية، باعتبارها أدياناً «سماويَّة»، وتأكيد هذا المسمى من أجل نفي فكرة الأديان الإبراهيمية، ولا يعلم أحد أن هذا المسمى يكشف عن عوار كبير في رؤيتنا للآخر، فلا يوجد دين من خارج منظومة الأديان الإبراهيمية لا يعدُّ «سماويّاً» عند أصحابه، ليس هناك دين «وضعي»، فهذا المُسمَّى «السماوي» يضم في طياته احتقاراً كبيراً لأصحاب المعتقدات الأخرى كالهندوسية والبوذية وغيرها من أديان المسكونة.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»

لذلك استقرت الدراسات الدينية والفلسفية في الغرب على مسمى «الأديان التوحيدية»، فهذه الأديان الثلاثة تؤمن بإله واحد، إلا أن هذا المسمى أيضاً يعتريه عوار كبير، حيث إن توحيد المسيحية به كثير من الاختلاف والتمايز بين توحيد الإسلام واليهودية؛ لهذا كان نشأة مفهوم «الأديان الإبراهيمية» من خلال الدراسات المقارنة لكتابات الأديان الثلاثة، فجميعهم استند لشخص النبي «إبراهيم» الخليل في شرعية إيمانه.

الرفض لأي فكرة تفتح أفقاً جديداً لحل صراعات دينية ـــ أصبحت عبئاً على العالم ــ ليس في صالح الإسلام ولا العرب، ليستمر الإنكار أم الإسلام ليس في أزمة!.