فادي عيد وهيب باحث ومحلل سياسي ـ مصر

تقول الشواهد إن الصراع الإيطالي - التركي في غرب ليبيا أشبه بمعركة عض الأصابع، والخاسر فيه من سيصرخ أولاً، فكلاهما ينظر لما سيكون عليه الوضع في مدن الغرب الليبي بعد إتمام المصالحة، وهنا تشعر روما بأنها ستكون الخاسر أمام تركيا، التي أسست وجودها في غرب ليبيا على قواعد شعبية تميل لفكر جماعة «الإخوان»، وبدعم مالي ضخم جداً من قطر، بينما التواجد الإيطالي في غرب ليبيا مبني على شراء ذمم بعض الفاسدين بغطاء عسكري أقل بمراحل من الثقل العسكري التركي هناك.

لم يمر أكثر من 3 أشهر على واقعة رفض القوات التركية المسيطرة على مطار مصراتة دخول 40 جندياً إيطالياً ممن يعملون في المستشفى الميداني العسكري الإيطالي، بحجة عدم امتلاكهم تأشيرات دخول كي يعودوا في الساعة نفسها لبلادهم مرة أخرى، حتى طفا الخلاف الإيطالي - التركي في ليبيا على السطح مجدداً.

ففي تصريحات مهمة لصحيفة «أكي» الإيطالية، مؤخراً، أكد رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، رفض بلاده للوجود التركي في الغرب الليبي، وكذلك وجود روسيا في الشرق الليبي.

ويضيف كونتي أن الخطوة التالية التي يجب اتخاذها في ليبيا بعد انعقاد مؤتمر سرت 2 (عُقد في 17 أكتوبر الجاري)، هي «استمرار فتح مساحة أكبر للحوار بين فرقاء الداخل الليبي، واستئناف إنتاج النفط في جميع حقول البلاد، ووجود إدارة عادلة لتوزيع الموارد بالشكل الصحيح على الشعب الليبي».

ويرى المراقبون في ذلك الانتقاد المباشر من رئيس وزراء إيطاليا لدور حليفتها تركيا في الملف الليبي رغبة صريحة في ابتعاد روما عن أنقرة في المستقبل.

أخبار ذات صلة

فلتتوقف الحكومات عن خفض أسعار البنزين!
الدور الرئيسي لإزالة الكربون واللامركزية والرقمنة في تحول قطاع الطاقة


وما يعزز ذلك أن تصريح جوزيبي كونتي، جاء في ظل التصعيد المستمر في لهجته ضد أنقرة، بعد أن انتقد النظام التركي بشكل غير مباشر خلال تصريحه لوكالة «نوفا» الإيطالية، الشهر الماضي، قائلاً:

«تسجل عملية السلام في ليبيا تقدماً خجولاً، لكنه مشجع، وكان يفترض لهذا التقدم أن ينضج أكثر من ذلك لولا التدخل الخارجي في ليبيا». وهنا يوضح الخبراء بروما سبب انتقاد جوزيبي كونتي المباشر لتركيا، بعد تدخلها لدعم ميليشيات غرب ليبيا عبر إرسال سفن المرتزقة السوريين من سواحلها إلى موانئ طرابلس ومصراتة، وهو ما أحرج العملية البحرية الأوروبية «صوفيا» التي تقودها إيطاليا، وفشلت فشلاً ذريعاً بسبب تركيا، حتى جعلت العالم ينظر لروما كمتواطئ مع تركيا في بث الفوضى ونشر الإرهاب في ليبيا.

ويعلق الباحث السياسي حمد المالكي، قائلاً: إن هناك تطورات مهمة تشهدها العلاقات التركية - الإيطالية تجاه الملف الليبي، فبعد سنوات من انحياز نظام الإسلام السياسي في أنقرة ونظام المافيا في روما لحكومة الوفاق على حساب الأمن القومي الليبي وسيادة الدولة الليبية، نشهد منذ منتصف العام الجاري حالة من التخبط بين المحور الإيطالي التركي في تعاملهما تجاه ليبيا.

كما يعلق الأكاديمي الليبي سعد الفيتوري، بالقول: إن إيطاليا متورطة في الحرب الليبية، ويدها ملطخة بدماء الأبرياء مهما غسلت يديها، وكان ذلك بمشاركة تركيا في ظل تحالف استراتيجي معها، وجد ضالته في شخص فايز السراج وحكومة الوفاق الليبية، ولكن روما الآن بدأت تعيد حساباتها تجاه ليبيا، بعد أن دخل النظام التركي في حالة عداء مع كافة دول شرق المتوسط، وكافة الأقطاب الدولية الكبرى، بسبب الدور التركي المشبوه في ليبيا وشرق المتوسط والقوقاز».

ويضيف الفيتوري: كان من الضروري على الحكومة الإيطالية المتخبطة في الداخل، أن تبتعد عن تركيا ولو قليلاً، كي لا تخسر دورها السياسي في الاتحاد الأوروبي، في ظل الصدام الفرنسي التركي الشرس في بحر إيجة، أو تخسر مصالحها الاقتصادية مع الدول العربية، في ظل الحرب المشتعلة بين تركيا من جانب ومصر والإمارات والسعودية من جانب آخر».