أحمد المسلماني

ربما تزول أوروبا بسبب الفيزياء وليس بسبب السياسة، فالتغيرات الجارية في «دوّامات» المحيط الأطلسي أشدّ خطراً من «دوّامات» الاتحاد الأوروبي التي زاد عنفها أعقاب الجائحة.

قبل أيام كتب ميخائيل غورباتشوف آخر زعماء الاتحاد السوفييتي مقالاً يحذر فيه أوروبا من أن فشلها في معالجة التحديات التي تواجهها قد يدفعها إلى «خطر الزوال»، ويتحدث المراقبون عن الأزمة الاقتصادية في أوروبا، عن صعود معدلات البطالة، وانكماش الاقتصاد، وانهيار الخطط والرؤى على إثر الحقبة الكورونيّة المروّعة، ويتحدث آخرون عن صعود اليمين المتطرف، واحتمالات تفكك الاتحاد الأوروبي.

كما يتحدث البعض عن مخاطر الدفع الأمريكي للقارة العجوز بتصعيد المواجهة مع روسيا والصين، وما يشكل ذلك من مخاطر اقتصادية في حال التصعيد الكبير مع الصين، ومخاطر عسكرية في حال التصعيد غير المحسوب مع روسيا، وفي أوروبا يتحدث آخرون عن أن ما كان يدعو إليه الرئيس الفرنسي شارل ديغول في الخمسينيات من أن التحالف الأوروبي مع روسيا أكثر منطقيّة من التحالف عبْر الأطلسي مع الولايات المتحدة.

إن الخطر الأكبر الذي قد يؤدي إلى زوال أوروبا قد لا يكون ذلك كله، وحتى استخدام السلاح النووي على خطورته وترويعه، ربما يكون أقل خطراً من ذلك الخطر الأعظم المقبل من «دوّامات» المحيط، ولا تتلقى أوروبا تدفئتها من الغاز والنفط والطاقة المتجددة فحسب، بل إن موقد القارة الأهم، هو الموقد الطبيعي القادم من تيار الخليج الدافئ.

ببساطة.. يمتد تيار المياه الاستوائي من وسط الأطلسي جهة الشمال ليصبح تيار الخليج الدافئ «غولف ستريم»، وتيار الخليج هو تيار دافئ سريع يمتد من خليج المكسيك إلى فلوريدا، ثم يصعد شمالاً إلى أوروبا وكندا.

ينقسم التيار في شمال الأطلسي إلى تياريْن: التيار الشمالي والذي يتجه إلى شمال وغرب أوروبا، والتيار الجنوبي «الكناري» والذي يتجه إلى غرب أفريقيا.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»


إن تيار الخليج هو بمثابة خط أنابيب عملاق يصل عرضه إلى (100) كم، ويصل عمقه إلى (1) كم، إنه كـ«بوتاغاز أوروبا» الذي لولاه لتجمدّت القارة من الصقيع.. في ربيع 2018 نشرت مجلة الطبيعة «نيتشر» دراسة صادمة، حيث أصبح تيار الخليج في أضعف حالاته منذ (1600) سنة، والتيار الذي تباطأ منذ 1950 بنسبة (15%)، سيصل التباطؤ في حركته إلى (45%) في عام 2100.

وفي دراسة لمعهد بوتسدام لأبحاث المناخ في ألمانيا، جرى شرح التغير على النحو التالي: إن الماء الدافئ والمالح وهو ينتقل (في إطار تيار الخليج) إلى الشمال، قد أصبح أكثر برودة، وبالتالي أكثر كثافة وملوحة، وهذا دفع بالماء الدافئ للغرق أسفل الماء البارد، والعودة جنوباً، ومن ثم تراجع مصدر تدفئة أوروبا، والحاصل ببساطة: لن تصبح أوروبا «الباردة جداً» صالحة للزراعة ولا الحياة، وستنتهي القارة تحت وطأة عصر الجليد الجديد!

إن قضية تغير المناخ لن تعني صعوبة الحياة، بل إنها قد تعني نهاية الحياة!