ليث نالبانديان كاتب عراقي مقيم في فرنسا

غزلت الحضارة الإغريقيّة الثياب الأساسيّة لسلطة الشعوب والتي سُمّيت بالديمقراطيّة (حكم الشعب)، لتقود دفّة الريادة في تجربة هذا الشكل الفريد من أشكال الحكم، فقدّمت الديمقراطيّة الأثينيّة كأوّل نموذج في التاريخ البشري والتي ظهرت حوالي القرن الخامس قبل الميلاد.

توالت بعدها العصور، وأخذ شكل الحكم الديمقراطي بالانتشار والتطوّر عن طريق صياغة مفاهيم جديدة ترتقي بالأنظمة الواعدة، وترسخ القيم والمبادئ الأساسيّة للحكم، وهذا ما أسهم في الوصول إلى مفهوم الديمقراطية الحديثة، التي تقدم بصيغ مختلفة تعتمدها الدول المتقدّمة اليوم وتُقدّس ممارستها، لكن تجارب الديمقراطيّة أثبتت عدم ملاءمتها لجميع الشعوب بثقافاتها والموروث الفكري السائد فيها، فالديمقراطيّة فكر قبل أن تكون شكلاً من أشكال الحكم، وتبنّيها يتطلّب فهماً وإدراكاً بجدوى هذا النظام، فالشعوب التي اختبرت سطوة الأنظمة الدكتاتوريّة التفرّديّة أو الأنظمة الثيوقراطيّة الحاكمة زوراً باسم الله والدين، لا تستطع هضم الديمقراطيّة في ليلة وضحاها، لا بل ترفضها وتسيء فهمها.. ذاك ما يحدث فعلاً مع دول العالم الثالث، التي استوردت الديمقراطيّة أو صُدرت لها، فصارت نقمة على شعوبها وذريعة زعامات تلتحف بإزار الديمقراطيّة الزائفة لتحقيق أجنداتها، بل إن بعضها يصل إلى الحكم من خلال الممارسة الديمقراطية وهو عدوها اللدود.

أخبار ذات صلة

فلتتوقف الحكومات عن خفض أسعار البنزين!
الدور الرئيسي لإزالة الكربون واللامركزية والرقمنة في تحول قطاع الطاقة

لذلك، فإن تعميم الديمقراطيّة على بلاد لم تألفها، يتطلب جهوداً كبيرة في تربية وتثقيف الشعوب على مبادئ وأسس الديمقراطيّة، ابتداءً من الأجيال الصغيرة وصعوداً، بغية الوصول إلى نضوج جماهيري واعٍ ومُدرك باقتناع، أهميّة أسمى شكل من أشكال الحكم استطاع الإنسان صياغته.