حلمي النمنم

يطغى على كثير من التحليلات القول: إن العالم على وشك الدخول في حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. وقد يضيف البعض روسيا، بانياً هذا الاستنتاج على التصريحات الخشنة التي أطلقها الرئيس جو بايدن بحق زميله الروسي فلاديمير بوتين، ثم تعقيب بوتين الذي بدا أنه يستخف بأقوال بايدن.

لم يقف الأمر عند حدود الكلمات الخشنة، بل امتد إلى قيام الولايات المتحدة بطرد عدد من الدبلوماسيين الروس الذين يعملون بالسفارة الروسية في واشنطن، ثم كان أن ردت روسيا بالمثل، على الطريقة العربية واحدة بواحدة، والحق أن هذه المناوشات تكشف عن عدم الرغبة في دخول حرب، بل هي أقرب إلى تهيئة أجواء تقود إلى ضرورة اللقاء بين الرئيسين، وهذا ما بادر بايدن باقتراحه على بوتين في اتصال هاتفي بينهما.

الوضع مختلف الآن حول العالم عما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وقتها كانت هناك إمبراطورية ضخمة اسمها الاتحاد السوفييتي، بأيديولوجية اجتذبت كثيرين في العالم حولها بل وجدت كثيراً من المعجبين في دول أوروبا الغربية وحتى في الولايات المتحدة ذاتها، الآن نحن أمام روسيا فقط، متخففة من أعباء الإمبراطورية والتزامات الفكرة الاشتراكية العلمية، وهي كذلك لا تعبأ بما يسمي القيم الأمريكية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالتأكيد ذلك يزعج إدارة بايدن، وربما تريد الولايات المتحدة أن تناور روسيا بهذه القضية لتتأكد من أن لا أحد في العالم يعارض قيمها على هذا النحو وساعتها تقل مخاوفها من إمكانية تدخل روسيا في شؤونها.

يبدو أن بايدن من بين المقتنعين بأن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية هو ما عزَّز فرص فوز ترامب في نوفمبر 2015، والمشهد يقول بوضوح: إن هيمنة الولايات المتحدة على العالم تتغلغل اقتصادياً بفعل الصين، لكن الأخطر منه سِيَاسِيًّا وَعَسْكَرِيًّا بفعل روسيا، لذا استعمل وزير الخارجية الأمريكي تعبير «منافس» لوصف الصين، أما بالنسبة لروسيا فقد اعتبرها الخصم.

لسنا في حرب باردة، لكننا نشهد تراجع الهيمنة الأمريكية المطلقة على العالم، حتى داخل الحلفاء الغربيين هناك تشققات، كشفها بوضوح التعامل مع الوباء، وبالنسبة لنا في العالم العربي، فإن تكرار مأساة مثل اجتياح العراق سنة 2003، لم تعد واردة على هذا النحو، والتدخلات الفجة في شؤون المنطقة كما حدث عام 2011 لم يعد سهلاً، لكن هذا وحده ليس كافياً، بل لا بد من وجود توافق عربي، وتهيئة الأجواء العربية بحيث لا تسمح بتكرار ما حدث مطلقاً.


أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»