زينة يكن باحثة وكاتبة سورية مقيمة في الإمارات

شغلت اليونان دوماً أهميَّة في قائمة رحلاتي على طريق الحرير، بدءاً من تاريخ البطولات الشهيرة التي شنّها الإسكندر المقدوني لفتح بلاد فارس عبر التاريخ، والروايات التي نسجت عن إرساله لأكثر من ألف رجل أغريقي للتزوج بجميلات سوريا آنذاك، ما يجعل التَّشابه كبيرا بينها وبين سوريا، ويؤكد دورها الحضاري، وأيضاً باعتبار أنّ سوريا تعدُّ أحد أبرز المحطات على طريق الحرير، فرياضياً اليونان كذلك.

ركبت سيارة أجرة من المطار حال وصولي، كان يبدو على السائق أنّه «كلمنجي» كما نقول في بلاد الشام، أي يتقن فن الحديث.

عادة، أكون متلهفة جدًا للحديث مع سائقي الأجرة والناس البسطاء لجس نبض البلد الذي أزوره، ولكن هذه المرة كنت قد خططت مسبقاً بأن أتجنب الحديث مع اليونانيين بشكل مباشر، والسبب هو الأخبار التي يتداولها الإعلام عن وضع المهاجرين واللاجئين السوريين في اليونان، والصور القاتمة التي تنشر عن إطلاق حرس الحدود اليوناني النار على اللاجئين السوريين، لكن طبعاً لا تجري الرياح كما تشتهي السفن.

استشعر السائق حذري الشديد، لاسيما والكمّامة تحتل نصف حيّز وجهي، ففتح لي النافذة، وقال لي:

ــ لا تخافي، يمكنك أن تتنفسي على راحتك، هواء اليونان منعش!

أخبار ذات صلة

فلتتوقف الحكومات عن خفض أسعار البنزين!
الدور الرئيسي لإزالة الكربون واللامركزية والرقمنة في تحول قطاع الطاقة


بعد أن أنزلت الكمامة قليلاً، سألني السائق: من أين أنت قادمة؟

شعرت بعقدة في لساني لأول مرة، لكني أجبته: من دبي.

لم يكتف، وعاود السؤال: لكن من أين أنتِ تحديداً؟

بحزم أجبته: أنا سورية.

ابتسم، وقال لي: اليونانيون والسوريون يشبهون بعضهم كثيراً، لكن مع الأسف، لدينا كثير من المشاكل مع اللاجئين بعد قدومهم عام 2015، حيث يتم حرق مخيمات للاجئين باستمرار في جزيرة ليسبوس.

تملّكتني الجسارة وأخبرته: نعم، والسوريون يعانون كثيرا من الحكومة اليونانية، لقد شاهد العالم بأسره كيف قامت الشرطة بإطلاق النار على اللاجئين السوريين القادمين من تركيا، أنتم لا تعاملون اللاجئين بشكل جيد.

شعرت بغضب السائق قليلاً، مع أنه حاول أن يخفيه، ثم أخبرني: لا تصدقي كل شيء.. إطلاق النار الذي حدث كان استفزازاً من تركيا، التي سمحت بتدفق اللاجئين إلى نقاط لم يكن متفق عليها سابقاً، لابتزاز الحكومة اليونانية.

توقف لحظة، ثم تابع: رأيت بأم عيني كيف يتعامل اللاجئون السوريون في اليونان، كلهم عائلات محترمة، ترعى أولادها وتحميهم، لكن المشكلة أكبر من مجرد وجودهم بيننا.. بعد فتح باب اللجوء والهجرة، بات الكثير من اللاجئين من الجنسيات الأخرى.

غمغم في فمه قليلاً، ثم أكمل: مع احترامي لهم جميعاً، يتصرفون بشكل غير لائق، ثم يدّعون أنهم سوريون بغرض منحهم اللجوء.. لماذا علينا تحمّل عبء اللاجئين إذا كانت أوروبا هي التي فتحت باب اللجوء؟

وبقوة مرة أخرى رددّت عليه: لكن لا تؤاخذني، ألستم أوروبيين؟!.. أنتم تتلقون دعماً من الدول الأوروبية، فهي تدفع لكم مقابل إبقاء اللاجئين في دياركم، فأين تذهب تلك النقود؟

أجابني: ومن قال لك هذا؟ نحن اليوم لدينا ما يزيد على عشرة آلاف لاجئ، ولكن الدول الأوروبية تدفع لما يقارب ألفي لاجئ فقط.. من سيتحمل تكلفة الباقي؟، ثم لماذا علينا أن ندفع من رواتبنا القليلة (ضريبة أن نكون أوروبيين) إلى الاتحاد الأوروبي، ثم تعود وترسل لنا من تلك الضرائب ما يغطي نفقة ألفي لاجي فقط، ثم تطالبنا بالدفع مرة أخرى لهم، وفوق هذا يحصل اللاجئ على فرص عملنا!

عاد، وقال من جديد: أرجوك أن لا تفهميني خطأ، أنا ليس لديَّ مشكلة معك أبداً، ولكن الذين هاجروا إلينا، كما ليسوا معظمهم سوريين ـ كما أخبرتك ـ بل من بلاد أخرى، غريبة عن عادتنا وتقاليدنا.. أنتم في سوريا، لديكم تنوع ديني، وأعرف أن نسبة من السكان عندكم مسيحيون، أما القادمون فهم معظمهم متطّرفون.

فهمت ما وراء قصد السائق، وأدركت تماماً أنّ تخوّفه الباطني هو تخوف ديني أيديولوجي من فكرة أسلمة المجتمع، لا سيما وأنّ اليونانيين معظمهم من الديانة المسيحية الأرثودوكسية، لذلك صححّت له المعلومة، وأخبرته أنْ المسيحيّين في سوريا كانوا في أمان، لكن بسبب الأحداث هاجر قسم كبير منهم.

بعدها، احترمت وجهة نظره والتزمت الصمت، فأنا في بلاده، ولا يجوز لي أن أعاند في الدفاع عن شيء لا علم لي بكامل تفاصيله.