د. فاتح عبد السلام

لعل الانتخابات المبكرة في العراق المزمع عقدها في أكتوبر المقبل، كانت المطلب الأوسط للتسوية التي لم تكتمل حتى الآن بين الطبقة السياسية وكتل المحتجين في بغداد والجنوب.

وأسهم التوافق على الانتخابات في وقف ذلك المنحدر الذي كانت تتجه إليه العملية السياسية، حين واجهت في الأسابيع الأولى من انتفاضة أكتوبر 2019، شعارات التغيير الكامل والشامل لأركان الوضع السياسي في البلد.

وكانت مرجعية النجف الدينية تدعم توجهات التغيير وتندد بشدة بالفساد، لكن تحت بنود السَّيطرة لمنع الانهيارات التي تهدد السلم الاجتماعي في واقع مليء بالسلاح والتنافر السياسي، وكانت من نتائج ذلك التوجه، إسقاط حكومة والمجيء بحكومة جديدة تناغمت بسرعة مع مطالب الشارع، غير أن حكم الطبقة السياسية في العراق هو أمر آخر يختلف عن مسمى الحكومة المباشر، إذ يعيش المحتجون على سوء الأوضاع المعيشية صراعاً يومياً معه.

لقد اكتملت ملامح القوى التي ستخوض الانتخابات، ولا تزال على نفس التقسيم المتداول ما بين كتل شيعية وسنية وكردية، ولا توجد أي دلالات على قيام تحالفات خارج الهيمنة الحزبية لكي تكون أملاً منظوراً في إمكانية صنع تغيير في الخريطة السياسية التي اهترأت في خلال 18 سنة دون أن توفر الحد الأدنى من طموح العراقيين الذين كانوا يحلمون بيوم التغيير.

وما زاد في تكريس الصورة القديمة أن تيار الحكومة الانتقالية الحالية الذي يتبنّى الدعوة للتغيير أعلن عدم ترشيحه، على الرغم من ذلك الاستعداد للانتخابات، تبرز نقاشات من هوامش المحيط السياسي إلى أوساطه المباشرة حول احتمال تأجيلها من دون الحديث عن سقف جديد.

أسباب ذلك ترجع إلى الاغتيالات التي طالت مرشحين وناشطين وبعثت برسائل قلق في الشارع، الذي لا يمكن أن يتفاعل مع الانتخابات بشكل إيجابي فيما السلاح المُجيّر سياسياً لا يزال نافذاً ومؤثراً.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»


من جانب آخر، لا توحي توجهات الحكومة في الانفتاح على المحيط العربي وتبنّي سقف أولي من الإصلاحات التي كانت ترفضها الطبقة السياسية في السنوات الماضية، بأنّ عمر الحكومة سينتهي بعد 14 شهراً، لتبدأ مرحلة سياسية أخرى، لا يزال العراقيون لا يثقون بأنها ستكون مختلفة عما سبقها من مراحل أدت إلى إشعال فتيل الاحتجاجات التي تعيش حالة انتظار كنارٍ قريبة تحت سطح رماد خفيف.

لا تزال هناك شهور صعبة تحت ضغط الصراع بين قوى السلاح وقوى المدنيّة السياسية، ولا أحد يستطيع التكهُّن بانعكاسات ذلك على الموعد المحدد للانتخابات.