د. أسامة أحمد المصطفى

بما أن الثقافة والهوية متلازمتان، فلا يمكن الفصل بينهما، ولكل شعب ثقافته الخاصة التي تمثل عنواناً لهويته، وبما أن الثقافة تعني في مفهومها الواسع مجموعة من القيم والمبادئ والأسس التي ينفرد بها شعب أو مجموعة عن غيرها، فكلما زادت خصوصية الثقافة التي تميزها، انعكست هذه الخصوصية على أصحابها.

وبالتالي، فإن الثقافة لا تعني بأي شكل من الأشكال الانفصال عن التراث وإنكاره لصالح الأفكار الحداثية، ولا يعني الانغماس في التراث والماضي والهروب من الحاضر والمستقبل وما يحتويه من ثقافات بحجة أنها ثقافات وافدة.

فثقافة الشعوب تعني السمات والخصائص التي تميز شعباً عن آخر وفق مجموعة من الأصول والجذور التاريخية والمعرفية، تجعل لهذا الشعب هوية خاصة في خريطة الثقافة العالمية، وفقاً لذلك أصبح سؤال الهوية أكثر الأسئلة إلحاحاً في الفكر السوداني بعد ثورة ديسمبر الشبابية، وهو سؤال أزمة عميقة، ولَّدت قلقاً عظيماً، وزادت أزمته ضعف الإعلام في تناول الأمر بموضوعية، وترك للناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي اليد المسيطرة، عاد طرح إشكالية الهوية السودانية.

وبات من المتوقع في هذه المرحلة الحاسمة من عمر السودان، أن تتضخم مسألة الهوية إلى حد الانفجار بعد أن أثيرت هذه الأسئلة بين عامة الناس بقوة في ظل غياب النخب، التي هي في حالة من التراجع الفكري والحضاري، وغاصت في في عمق نقمة القبلية.

وفي السياق ذاته تختلف علاقة الأنا (القبلية) مع الأخرى (السودانية)، وتتخذ عدة مستويات، تحددها عدة أمور، منها: زاوية الرؤية التي ترى فيها الأنا الأخرى، وموقع الأنا فيما يتعلق بالآخر، وموقف الآخر من حيث الهيمنة والسيطرة، والمصالح التي تحكم كلاً منهما، ومساحة الحوار التي يمكن أن تنشأ بينهما، هذا الموقف الذي تكون فيه الأنا في وضع يمنحها الشعور بالتفوق الأفضل والأعظم والأنقى، ويصبح الآخر في هذه الحالة إما عدواً يجب محاربته وتقويضه، أو متآمراً يحاول تدمير صرح البلاد، فليس من المعقول أن نوافق على خطاب من ينادي بالقضاء على فكرة خصوصية الهوية لصالح أفكار العولمة.

كما أنه من غير المعقول الموافقة على خطاب الهوية المتعالي الذي ينظر إلى الآخر بسخرية، ومن الأفضل للمجتمع السوداني أن ينتقد خطاب الهوية، دون أن يخضع لتأثير ديالكتيك الصراع بين الأنا والآخر وديالكتيك الهوية بين الانتماء والتلاشي.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»