محمد زاهد غول

قد تبدو إشكالية حقوق الإنسان بين المتدينين والعلمانيين هي المعركة الحقيقية، وليست بين الأديان والعلم أو العالمية، أي إن المعركة مع من يريد حصر الحقوق الإنسانية بيد الإنسان وليس لدى الدين، بحجة أن الإنسان لا يريد أن تكون الحقوق هبة أو منحة روحية وإنما نتيجة رؤية علمانية وتضحيات فلسفية عبر التاريخ، حتى الوصول إلى ميثاق عالمي لحقوق الإنسان أصدرته الأمم المتحدة عام 1948، فالمشاركون في صياغة ميثاق حقوق الإنسان العالمي اعتبروا أنفسهم يقدمون ميثاقاً علمانياً يكون عقل الإنسان مصدره الأساسي، ولا يجعل الأديان ولا الكتب الدينية أساساً لمواده وبنوده.

إن الميزة المشتركة بين ميثاق حقوق الإنسان ونصوص الدين هي الحديث عن عالم الإنسان بصفته الإنسانية البشرية أولاً، فالإسلام مثلاً يتحدث عن حقوق عالمية للإنسان والمخلوقات المشاهدة والغائبة، كما يربط بين الحقوق والمقاصد والعقوبات، فالحقوق واضحة ومفصلة في حقوق الإنسان ذكراً كان أو أنثى، مهما كان عمره ولونه ولسانه وقوميته وعشيرته، والمقاصد لحفظ الإنسان مادياً ومعنوياً، في حاجاته المعيشية ومعتقداته وحريته وتدينه دون إكراه، وأخيراً فإن قانون العقوبات في الإسلام لا يجعل العقوبة حصراً على الحياة الدنيا، بل يجعل الحساب بعد الموت.

في حين أن النظرة العلمانية لحقوق الإنسان وإن كانت في صياغة موادها القانونية عالمية، ولكنها في التطبيق المشاهد عبر سبعة عقود كانت أداة من أدوات السياسة الأوروبية الغربية، وفي خدمة الهيمنة الدولية وتحقيق مصالحها الاقتصادية في رؤية العديد من المحللين، وقالوا: إن محور تطبيقاتها ليس عادلاً نحو الشعوب جميعاً، وبالأخص الشعوب الشرقية وذات الثقافة الحضارية المغايرة، وهذا ما جعل أصحاب القراءة الأولى لا يتوقفون عن انتقاد ميثاق حقوق الإنسان العالمي والأممي نظرياً، وإنما يركزون انتقاداتهم للعلمانيين السياسيين والعسكريين الذين خاضوا حروباً شبه عالمية في العقود السبعة الماضية بحجة حقوق الإنسان.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»

ولعلَّ هذه النية المبيتة لاستثمار ميثاق حقوق الإنسان في تحقيق المصالح الأوروبية والغربية هي التي صاغت هذا الميثاق ليكون أداة من أدوات الدول الخمس الكبرى التي استأثرت بالسيطرة على العالم في مجلس الأمن، فالعلمانيون الذين صاغوا ميثاق الأمم المتحدة، وقرروا تفوق وتميز خمس دول كبرى واستكبارها على نحو 200 دولة في العالم عام 1945 هم أنفسهم الذين صاغوا ميثاق حقوق الإنسان العالمي عام 1948، وكأن ميثاق حقوق الإنسان تابع لميثاق الأمم المتحدة، وهم يؤسسون نظاماً عالمياً أولاً، ويفرضون على دول العالم وشعوبه وثقافاتهم ميثاقاً يحترمه الناس نظرياً، ولكنهم يرفضون حصر تنفيذه على شعوب معينة دون أخرى.