مارك لافيرني

في عهد اليونانيين القدماء، كانت الألعاب الأولمبية تمثل فترة هدنة، يتوقف خلالها الأعداء عن الاقتتال الدموي ويبدؤون التنافس الرياضي الشرس والسلمي، ولم يكن الهدف منه الفوز على الآخرين، بل كان يهدف إلى تطوير الطاقات الذاتية للمشاركين. وهكذا، خلقت تلك الألعاب وقتاً رحّب به الناس، وكان فرصة لحلّ النزاعات وتحسين العلاقات بين المدن اليونانية المتنافسة.

وفي عام 1894، نجح البارون الفرنسي «بيير دو كوبرتان» في إعادة المثل العليا لهذه الألعاب والتي تُكرّس التضامن والسمو فوق النزاعات، وإليه يُنسب فضل تأسيس الألعاب الأولمبية الحديثة، وبقي يترأس دوراتها المتعاقبة حتى عام 1925، وهو صاحب المقولة الشهيرة: (ليس المهم الفوز، بل المشاركة).

ولسوء الحظ، لم تلتزم تلك الألعاب بهذا الشعار لفترة طويلة، ومع حلول دورة عام 1936 في برلين، وجدت ألمانيا النازية الفرصة، التي لا يجوز تفويتها، لاستعراض قواتها الجديدة وقدراتها على التدمير وصرخ قادتها بخطبهم المسمومة المفعمة بالأطروحات العنصرية.

ومنذ ذلك الوقت، أصبحت معظم الدول المشاركة لا تهتم إلا بجمع أكبر عدد ممكن من الميداليات الفائزة، مهما كان الثمن، واحتدمت معركة التنافس بين العديد من مدن العالم، لاستضافة الدورات المقبلة للألعاب، ولم تكن تتردد عن الترويج لإمكاناتها ومزاياها التي تؤهلها للفوز بهذا الامتياز.

وبمضي الوقت، أصبحت هذه المنافسة بين المدن تحظى بدعم الحكومات وتحولت إلى شأن من شؤون الدول، وبات التنافس الودّي بين الرياضيين في المرتبة الثانية من الأهمية، وفي بعض الأحيان لم يكن أكثر من ذريعة لاستعراض مدى تطور وازدهار المدينة المضيفة وتكريس هيبتها وقوتها.

وما الألعاب التي تشهدها طوكيو هذه الأيام، إلا مثال معبّر عن هذا الحيود عن الهدف، وجاءت جائحة كورونا لتزيد الطين بلّة لأن غياب الجمهور الذي كان يتقاطر لحضور هذه الألعاب أدى إلى خسارة مالية هائلة لصناعة السياحة اليابانية.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»


وبات من الواضح أن الفرق المشاركة تحصر اهتمامها بحصد أكبر عدد من الميداليات وتحطيم الأرقام القياسية، وأصبحت القضية ذات أبعاد حسابية بحتة ولا تخدم إلا الأطروحات القومية للدول المشاركة على حساب القيم الأخلاقية التي ترمي إليها الممارسة الرياضية الشريفة، ومن الدلائل على ذلك، استخدام بعض الرياضيين للمنشطات من أجل تحقيق الانتصارات.

وهذا الذي يحدث لا يمثل فألاً حسناً بالنسبة لباريس التي ستستضيف ألعاب دورة عام 2024 لأنها ليست مستعدة لاستقبال التدفق المنتظر للزوّار، وهذا يتطلب تجديداً كاملاً لبنيتها التحتية.