محمد محمد علي

أجَّلت الجمعية الوطنية الموريتانية (مجلس النواب) مناقشة مشروع قانون «حماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن» إلى دورتها المقبلة، بعد أن أثار جدلاً واسعاً بين أطياف سياسية وحقوقية متباينة الآراء بشأنه.

وهذا النص، كما يتضح من عنوانه، حمَّال أَوجُه؛ فمصطلحات مثل: هيبة الدولة، وشرف المواطن، والرموز الوطنية، قد تفتح باباً واسعاً للتفسيرات الكثيرة التي قد تُضر بحرية التعبير؛ وأخطر ما فيه هو المادة (7) التي تُخوِّل النيابة العامة تلقائيّاً تحريكَ الدعوى ضد المتهمين بخرقه؛ لذلك يُخشَى أن يؤثر القانون سلباً في المكتسبات الموريتانية في مجال الحريات العامة، لا سيما حرية التعبير.

نعم، لا يخفى أنه منذ سنوات أصبح بعض الشباب يجرؤون على الرموز والمقدسات الدينية والوطنية، وربما كان ذلك ردَّ فعل يائس على أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وليس بخافٍ أيضاً أن كثيراً من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يُسيئون استخدامها بانتهاك حقوق الأفراد وخصوصياتهم، وهذا غير مقبول ولا يمت بصلة إلى حرية التعبير، لكنه ليس نتيجة لغياب القوانين، فلدينا منها ما يكفي لحماية المقدسات والخصوصيات؛ لذلك لا حاجة إلى قانون جديد يحميها؛ لا سيما إن كان على نحو من الغموض يمكن استغلاله للحدِّ من حرية التعبير التي هي مكسب وطني يجب ترسيخه وحمايته.

أمَّا الجرأة على الرموز الدينية والوطنية وانتهاك خصوصيات الأفراد وتشويه سمعتهم، فهي خلل في التربية لا في القانون؛ إذْ فشلنا في تربية أبنائنا تربيةً صحيحة متوازنة ومتسامحة مع الذات، لأن التسامح مع النفس هو الطريق الصحيح إلى التسامح مع الآخر، وعندما تفشل التربية في تحقيق أهدافها السامية يفقد المجتمع اتجاهه الصحيح، وينتشر فيه الفساد والانحراف والتمرُّد على ثوابت المجتمع وقيمه الأخلاقية.

وأظن أن مشروع القانون، مهما تكن الصيغة التي سيصدر بها، لن يُسهم كثيراً في منع الخوض في أعراض الناس والتعرُّض للثوابت الوطنية؛ لأن هذه الأشياء يحميها الدستور وقوانين أخرى متعددة، ومع ذلك نجد مَن ينتهكها؛ فالمشكلة إذن لا تتعلق بغياب القوانين بل بعدم تطبيقها، ولا بغموض النصوص الزاجرة بل بغياب الأخلاقيات المهنية، والأهم من ذلك، غياب الثقافة القانونية التي تجعل المواطنين يلتزمون طوعاً بالقانون قبل إلزامهم به، وهذا ما يُعرف بحكم القانون.


أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»