د. محمد المعزوز

يرى نعوم تشومسكي أنّ جائحة كورونا لا تمثّل تهديداً فيروسيّاً وحيداً ضدّ الإنسانية، بل هناك ما هو أخطر منها، يُمثّله الزّلزال الكبير الذي ينتظر العالم مجسّداً في الحرب النووية والاحتباس الحراري، الذّي بدأ يغيّر البنية العميقة للطبيعة.

لا يعتبر هذا الزلزال حادثة سير أو محض صدفة، بل هو نتيجة منطقيّة لاختيارات سياسية وقيمية مُصنّعة بإرادة من الليبرالية المتوحّشة، التّي لا تؤمن بالجماعة المواطنة ولا بالمصلحة العامة ولا بالعالم الكلّي المستند إلى التعاون والتّكامل.. هدفها الأسمى تسييس المصلحة الضيّقة لفائدة منظومة الرّبح الجشع، وأساس هذه المنظومة مَرْكَزه الرّبح في أيادي كمشة مُقلصةٍ من المستفيدين يُطلق عليها في أدبياتها «النّخبة المجتهدة».

كانت هذه الليبيرالية على اضطّلاع في مستهل هذا القرن بانفجار فيروسي فتّاك في المستقبل انطلاقاً من تقارير طبية دقيقة رصدت تداعيات «المتلازمة التنفّسية الحادّة سنة 2003» المعروفة بفيروس «سارس». وقد نبّهت في تلك السّنة، إلى أن الأولوية القصوى التي ينبغي أن تعيها الدّول الكبرى هي الاجتهاد في تطوير العلوم الفيروسية لاكتساب القدرة على مواجهة بشاعاتها اللاّمحدودة، وعوض أن تنكب المُجمّعات الصيدلانية الكبرى التي كانت على علم بهذه التّقارير على تحضير لقاحات شاملة، تنكّرت للمصلحة العامة، لأن الاستثمار فيها غير مربح، فجنّدت كلّ إمكاناتها لإنتاج مستحضرات تجميلية كالبوتكس ومشتقّاته، والمراهم الجلدية المتطوّرة، نظراً للأرباح الضّخمة والسّريعة التّي يدرّها الاستثمار فيها.

هناك حاجة ملحة اليوم لتأسيس مقاومة نقدية شاملة للمنظومة السياسية الليبيرالية تنطلق حسب الفيلسوف «باديو» بنقد علاقة الدّولة بالعلم، تبدأ بالتمييز بين علاقة الدّولة بالعلم في أفق تمنيع المجتمع وأمنه الصحي، وبين هذه العلاقة في اتّجاه الاستثمار في الأفراد كموضوع للجني والربح وليس كقيمة إنسانية اجتماعية تنسجم مع مبدأ التّعاقدات الأصلية بين الدّولة والمجتمع.

يقوم هذا النقد على نقل الاستشكال من مستواه السياسي إلى أفق معرفي يشكّك في السلطة القانونية للدّولة على أجساد الأفراد، نظراً لأنّ هذه السلطة لا تراعي البعد الاجتماعي للفرد، إلاّ شكلياً، وتعتبره كشيء مطواع لجلب الرّبح.

يعتبر هذا النقد استمراراً لأطروحة فوكو وهو يؤرّخ لسلبيات الحداثة الطبيّة ليس من جهة اعتراضه البيو- سياسي على السلطة العلمية للدّولة فقط، وإنّما من جهة اعتبار الطب والعلم سلطة تجارية ربحية تمهّد الطريق لأزمة كونية وجودية، تُفرغ الأفراد من أي إحساس بحقوقهم وتُحوّل طموحهم إلى هاجس للمحافظة على حياتهم بأيّ ثمن، ولو على حساب حرّياتهم الفردية، لكن السّؤال: هل مسؤولية هذا النقد موقوفة فقط على الفلاسفة والمفكّرين؟

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»