د. فاتح عبد السلام

كشف انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي عن نقص واضح في الأيدي العاملة في قطاعات خدميّة وإنتاجيَّة كثيرة، لا سيما في قطاع البناء والخدمات الوسيطة، ومنها النقل.

وترى بريطانيا أن السنوات الخمس المقبلة ستشهد مدّاً وجزراً على طريق الاستقرار في خريطة العمل والقطاعات المنتجة.

وفي نظرة عامة على قطاعات اقتصادية معينة نجد أن الجاليات الأجنبية لها دور فاعل في تشغيلها، وهي التي تكونت عبر هجرات متعددة وعمليات لجوء اتّسعت منذ نهاية حرب الخليج الأولى في ثمانينات القرن الماضي.

طبيعة الحياة الأوروبية تقودنا إلى السؤال حول إمكانية تلك المجتمعات لاستيعاب المهاجرين، وإعادة دمجهم ليتحولوا مع الزمن إلى قوى إنتاجية، وجزء من البنية التحتية للحياة العامة.

في الجانب الآخر، يقرع جرس الإنذار بشأن انخفاض الولادات في بريطانيا والاتحاد الأوروبي للسكان الأصليين، وهذا الامر مقلق في توفير الأيدي العاملة، ومواكبة المجتمعات للحاجات الاقتصادية العامة كل عشرين سنة، وهي المدة التقريبية لدمج المولود الحديث في سوق العمل ذي المستوى العادي.

من هنا، لا تبدو الهجرات إلى أوروبا نقمة وجانباً أسودَ مما يجري في الظاهر، ذلك أن المجتمعات الأوروبية باتت تعرف كيف تجدد نفسها من خلال تقبّل المهاجرين وإعادة دمجهم.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»


فكرة التنوع، التي تتحرك على أرضية البناء الديمقراطي السياسي في أوروبا، تنسجم في التعامل مع المهاجرين، وتفتح الطرق الصحيحة لجعل المجتمعات أكثر قوة عبر التعدديَّة الاثنيَّة، لا سيما أن الجاليات المهاجرة تصب اهتمامها على العمل لنيل أفضل الفرص في الحياة الآمنة والمستقرة، ما يدفعها إلى اندماج خدمي واقتصادي ذاتي، ومن ثم ثقافي وقيمي، لا يتيح مجالاً لاختلالات في التكوين العام للناس وتوجهاتهم السياسية والحياتية مثلاً، لا سيما على المدى المتوسط.

في مقابل ذلك، هناك تصنيف للمهاجرين وفترات هجرتهم ووصولهم إلى أوروبا، وهذا يتعلق بالمهارات والكفاءات والخبرات الكبيرة، التي انتقلت للعيش في أوروبا كوطن بديل ونهائي، وهذا عامل قوة في بناء المجتمعات الغربية اليوم.

لكن الإشكاليات التي تُواجه العواصم الغربية هي غلبة أعداد الأيْدي غير الماهرة وغير المتعلمين بين المهاجرين، وخاصة أولئك الذين وصلوا تحت ضغط الحروب الأخيرة التي نشبت في الشرق الأوسط في العقود الثلاثة الأخيرة، لذلك نجد في كل بلد أوروبي حقيبة وزارية وأكثر من مؤسسة تعنى بتوسيع مجالات الاندماج، لمنع خروقات من تنظيمات إرهابية لصفوف المهاجرين لزجهم في أجنداتها السرية، وهو ما تعزوه دوائر أوروبية إلى ضعف الاندماج في المجتمع الجديد.