محمد زاهد غول

تختلف مصطلحات التجديد بين ثقافة وأخرى، وبين حضارة وأخرى، وربما بين دين وآخر، ومصطلح التنوير من مصطلحات الإصلاح والتغيير والنهضة الأوروبية الحديثة.

حاول مفكرو المسلمين الحديث عنه في القرن الماضي، حيث كانوا يدركون ذلك، ولكنهم وجدوا ولو برؤيتهم الفردية أن دعوة الإسلام في الأصل تقوم على إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وهذا أساس فكري قابل للأخذ والرد، في الموافقة عليه أو رفضه، فالبعض فضّل الحديث عن الأصالة والمعاصرة، والبعض فضّل الحديث عن التجديد الديني وفتح باب الاجتهاد.

والعناوين الأخيرة في التجديد الديني، وفتح باب الاجتهاد اصطدمت بدعاة التقليد أو بدعاة التمسك بالمدارس الفكرية العقدية التراثية أولاً، كما اصطدمت مع المتمسكين بالمذاهب الفقهية المشهورة والراسخة في التاريخ التشريعي للدول الاسلامية التاريخية: العباسية والأموية الأندلسية والمملوكية والسلجوقية والعثمانية وما بعدها، والتي تركت كنوزاً ثقافية هائلة، فالمذاهب الفقهية التاريخية أصبحت جزءاً من الثقافة الدينية الراسخة، وأصبحت مرجعيات أساسية في جميع الجامعات الإسلامية، وأصبحت موسوعات الفقه الإسلامي التاريخية هي مواد ومساقات الدراسة الجامعة، وإلى جانبها كتب العقائد وكتب أصول الفقه والمعاجم اللغوية، ومعها كتب تراجم العلماء المؤسسين للمدارس الفكرية، وكتبهم الفقهية والتراثية، وهم يحظون بكل تقدير واحترام وإجلال.

هذا الرسوخ للفكر الإسلامي التراثي حال دون نجاح مشاريع التجديد والتنوير الحديث إلى حد كبير، وما تم تقديمه من اجتهاد جديد قد لا يعتبر تجديداً حقيقيّاً لأنه مبني على أصول فكر المدارس التراثية في الفكر والفقه واللغة، وقدرته على التغلغل في ثقافة الدول الإسلامية المعاصرة محدودة أيضاً، لأن قوانين هذه الدول في الدستورية وفي العلوم الاقتصادية والمالية والعلوم السياسية والدبلوماسية وقوانين الإقامة والهجرة وشؤون المحاكم غير الشرعية وغيرها تستند إلى قوانين النظام العالمي الغربي الذي فرضته الدول الكبرى على العالم منذ قرن تقريباً.

هذا الانتماء أو الخضوع للنظام العالمي في إدارة شؤون الدول المعاصرة، يمثل سبباً آخر في الحيلولة دون نجاح التنوير الإسلامي الحديث، لأن مجالات التجديد الحديثة والمعاصرة محصورة في مجلات ضيقة، والدول المعاصرة الخاضعة للنظام الدولي المعاصر لا تحتاج للاجتهاد الديني إلا فيما يخدم مصالحها فقط، فالتنوير الإسلامي الحديث أمام صعوبة التحرر من التأصيل التراثي أولاً، وأمام عقبة منعه من دخول ميدان التفكير الحديث في شؤون الدول المعاصرة ثانياً، يبقى مجال عمله محصوراً في الجامعات الإسلامية والمدارس الدينية والمراكز البحثية المختصة في المجامع الفقهية، أو في تصنيف المؤلفات الشخصية ولو كانت أبحاثاً لغير زمانها ولا مكانها.


أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»