مارك لافيرني

شاءت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أن تقوم بزيارة وداعية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد يبدو الأمر غريباً بسبب الفجوة العميقة في المواقف ووجهات النظر بين الزعيمين، وخاصة فيما يتعلق بمفاهيم الديمقراطية والموقف من الأحداث العالمية.

ولا شك بأن هذه الزيارة إلى مقر «قيصر» روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي، تخبرنا بالكثير عن تفاصيل شخصيتها. وبعد أن قضت في الحكم 16 عاماً كمستشارة لبلدها، أصبحت أقوى شخصية سياسية على المستوى العالمي.

ويعبر لقبها في بلدها «موتي» أو «أمي» عن مستوى الثقة التي تتمتع بها في أوساط شعبها، وتمتد نتائجها لتترك أثرها على الوحدة الوطنية للشعب الألماني برمته عبر المواقف السياسية المحسوبة بدقة منذ كانت تمارس عملها في الحزب الليبرالي والمحافظ.

ويجب التذكير قبل أي شيء آخر، بأن ميركل تعتبر مثالاً على التفاني والصدق والإخلاص أثناء توليها للسلطة، وحافظت خلال فترة حكمها على بساطتها وتواضعها ومتابعة حياتها الخاصة كمواطنة عادية، وبخلاف ما يحدث عادة، فلقد آثرت عدم استغلال وظيفتها للحصول على امتيازات خاصة مالية أو معنوية، وتابعت العيش مع زوجها في شقتهما العادية ورفضت كافة الامتيازات الاستثنائية التي يتمتع بها الرؤساء في جميع أنحاء العالم وحتى في الأنظمة الديمقراطية والملكية.

وهي تنتمي أصلاً إلى مجتمعات أوروبا الشمالية المحافظة، وتربّت على الميل لخدمة الناس وضرب الأمثلة عن النزاهة الوطنية ونظافة اليد، ولا شك أن مبعث هذا السلوك يعود لتمسكها بالعقيدة الإنجيلية الصارمة التي روج لها مارتن لوثر.

ونشأت ميركل في ألمانيا الشرقية، وكان والدها وزيراً لإدارة شؤون هذا الفرع من المذهب البروتستانتي، ولا شك أن مآثرها المتفردة تعززت من خلال إدارتها الحكيمة لتجاربها الشخصية في الحياة في ظل نظام الحزب الشيوعي الذي كان يحكم ألمانيا الشرقية في عهد الاتحاد السوفييتي، وهذا يعني أن البيئة التي عاشت فيها كانت أبعد ما تكون عن بيئة العالم الغربي المصاب بداء الإدمان على الاستهلاك، والغريب أكثر أنها لم تُعنى بممارسة العمل السياسي المحترف بل كانت متخصصة وباحثة في الفيزياء والكيمياء.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»


ولا شك أن هذه الظروف ساعدتها على قيادة بلدها بحزم حتى أصبحت له مكانته في أوروبا والعالم. وتمكنت من تحقيق ذلك من خلال مواهبها وخبراتها الاقتصادية وبراعتها في إدارة شؤون المال العام بنزاهة ودقة تامتين. وأثبتت أنها ذات رؤية بعيدة عندما فتحت حدود بلدها أمام ما يقارب مليون لاجئ سوري.