محمد أبوكريشة

قال أحد السلف الصالحين: اجتماع الغوغاء نقمة، وتفرقهم رحمة ونعمة، فقيل له: عرفنا النقمة في اجتماعهم فما النعمة والرحمة في تفرقهم؟

قال: يتفرقون فيذهب كل منهم إلى حانوته أو عمله فتروج الأسواق والبيع والشراء.

وتقول العرب ذماً لشخص ما، إن فلاناً ثابت في الفتنة خامل في الجماعة، أي أنه عندما تقع الفتنة والتفرقة يكون هذا الشخص ظاهراً ومتحمساً وقوياً وخطيباً مفوها، وعندما يجتمع الرأي ترى هذا الشخص منزوياً خاملاً، لا قيمة له ولا ذكر.

وكم من أناس نكرات وغوغاء لمعوا واشتهروا في الفتن والفوضى، وانطفؤوا واختفوا عندما انطفأت الفتن وساد العقل والحكمة، ورأينا ذلك واضحاً جلياً في فتن الخريف العربي، فقد قفزت الغوغاء والنكرات إلى قمة المشهد، وقادوا الفتن التي عصفت بكثير من الدول العربية.

و«الثورة» هي الاسم الحديث للفتن، والفتنة مذمومة بنصوص القرآن الكريم والحديث الشريف، وقد قال الله تعالى: «والفتنة أشد من القتل»، البقرة 191، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ يَسْتَشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْ لَهُ، وَمَنْ وَجَدَ مِنْهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذاً فَلْيَعُذْ بِهِ».

وقيل إن الوالي الظالم خير من الفتنة، أي خير مما نسميه «الثورة»، ولم يحدث في أي دولة في العالم أن حلّت الفتن والمظاهرات في أي قضية ولم تثمر ثماراً مرة كالعلقم، ثم تعود الأوضاع أسوأ مما كانت قبلها وتتفجر أنهار الدم ويسقط آلاف القتلى مجاناً وبلا ثمن.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»


إن الفتن والمظاهرات تبدأ داعية إلى الإصلاح ويركبها الغوغاء ومن يسمون في مصر «البلطجية» وفي بلاد الشام «الشبيحة»، فتفقد المظاهرات أجندتها الإصلاحية لتتحول إلى أجندة الإفساد والتخريب والتدمير، وتتحول إلى غاية بعد أن كانت وسيلة، ويصبح الأمر بدلاً من إسقاط نظام حكم محاولةً لإسقاط الأوطان.

كما أن الفتن والمظاهرات يتفرق قادتها الغوغاء إلى طوائف وأجندات متضادة، فلا يعرف المرء ماذا يريد هؤلاء ولا أولئك!

فكل حزب بما لديهم فرحون، وكل طائفة تغني وتبكي على ليلاها مثل اجتماع المآتم، وهكذا فإن الآفة التي أصابت الجميع هي آفة الإصغاء إلى الغوغاء!