أحمد المسلماني

يبدو أنَّه على السادة القراء، أن يحفظوا اسم هذه المدينة «فلاديفوستوك». هو اسم صعب ولكن المدينة باتتْ واحدة من مراكز السياسة الروسية، وفيها واحد من أكبر المنتديات الاقتصادية في الشرق الأقصى.

كانت «فلاديفوستوك» الروسية، التي تطل على بحر اليابان، مجرد نقطة حراسة حدودية، وإذ بها تتحول إلى ميناء كبير، ثم بالميناء تدور من حوله الشوارع والأبنية لتتشكل في محيطه مدينة يزيد عدد سكانها على 600 ألف نسمة.

إنّ «فلاديفوستوك» مدينة خلابة، يربطها بجزيرة «روسكي» جسرٌ رائع، قامت ببنائه شركة فرنسية، وفاقت كلفته مليار دولار. تبعد «فلاديفوستوك» كثيراً عن العاصمة موسكو، إذ تزيد المسافة بينهما على (6) آلاف كم، بينما لا تزيد المسافة بينها وبين طوكيو على (1000) كم، وبينها وبين سيؤول الكورية (750) كم فقط.

في عام 2020 عصفت التغيرات المناخية بالمدينة الجميلة، ونقلت وكالات الأنباء صوراً صادِمة للمدينة وقد تجمّدت تماماً. فالأشجار والمباني وأعمدة الإنارة كانت مغطاة بالثلج، وكان الناس ينظرون إلى أعلى في أثناء الحركة في الشوارع بعد أن تساقطت أحجار الثلج من أماكن عديدة فأصابت المارّة والسيارات. ولقد عانى السكّان طويلاً حتى عادت الكهرباء وعادتْ شبكة الإنترنت للعمل من جديد.

كان عام 2019 عاماً مميزاً للمدينة، حيث نجح «منتدى فلاديفوستوك الاقتصادي»، والذي حضره الرئيس بوتين ورئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي، والزعيم الهندي ناريندرا مودي. ولكن عام 2020 أتى بالعاصفة والجائحة.

في عام 2021 حضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «منتدى سان بطرسبورغ» في الغرب الروسي، ثم حضر «منتدى فلاديفوستوك» في الشرق الأقصى. وتحوّلت الأنباء القادمة من «فلاديفوستوك» من الضحايا والخسائر إلى الاستثمارات والاتفاقيات.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»


ثمّة ما هو «سياسي» في ذلك المنتدى «الاقتصادي»، حيث لم تقم موسكو بدعوة طوكيو. ولم يتسنّ لليابان المشاركة في منتدى 2021. لكن المفاجأة لم تكن هنا فقط، بل كانت في إعلان بوتين عن مزايا ضريبية وجمركية تخصُّ جزر الكوريل المجاورة.

ترى اليابان أن جزر الكوريل كانت يابانية ويجب أن تعود كلها يابانية كما كانت، وترى روسيا أن الجزر الأربع تم ضمها بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية وأصبحت جزءاً من روسيا.

حتى اليوم لم تعقد الدولتان معاهدة سلام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبينما يستمر النزاع على الجزر، جاء حديث الاقتصاد مباغتاً للجميع.

إن «فلاديفوستوك» لم تعد المدينة السياحية النائية، بل أصبحت عنواناً للاقتصاد والسياسة، في ذلك المكان القلق والثري من شرق العالم.