عبدالله العولقي كاتب ـ السعودية

تتحرك الحكومات حول العالم نحو فكرة إنشاء التحالفات الاقتصادية كاستجابة طبيعية لبعض الضرورات أو التهديدات، فالعالم اليوم عبارة عن تكتلات تجمع بين دول إقليم جغرافي معين، أو مجموعة دول متباعدة جغرافياً ولكن تجمعها المصالح المشتركة.

وبالمقارنة بين التحالفات العسكرية والاقتصادية، نجد أن التحالفات الاقتصادية أثبتت اليوم أنها أكثر جدوى وأهمية، فتحالف الناتو يعاني اليوم من تصدع رهيب بين أعضائه، بينما نجد نماذج التحالفات الاقتصادية قد برهنت على رسوخها الزمني كمجموعة دول جنوب شرق آسيا (النمور الآسيوية)، ومنظمة البحر الكاريبي وغير ذلك من التحالفات الاقتصادية، ولا شك أن الصراع الصيني - الأمريكي القائم حالياً يشكل بيئة خصبة للتنبؤات المستقبلية، لا سيما أن القرارات الدولية تسير بوتيرة متسارعة، بالإضافة إلى التغيرات الجلية التي تتشكل على هيئة انقلابات في نمطية التحالفات التاريخية القديمة.

قبل مدة زمنية، كانت الصين تعتبر نفسها الشريك الاقتصادي الفاعل لأستراليا، لكن الولايات المتحدة وبضربة «المعلم» استطاعت أن تخطف أستراليا إلى معسكرها، وتحالفها الجديد الذي أطلقت عليه (تحالف أوكوس)، والذي يجمعهما مع بريطانيا!

وبدأت الحكاية عندما ألغت أستراليا صفقة تجارية ضخمة مع باريس لصالح واشنطن، قدرت قيمتها بحوالي 56 مليار يورو، وبهذه الخطوة نجحت واشنطن في أن تخوض صراعها بالسلاح الصيني ذاته، وأعني السلاح الاقتصادي، على الرغم أن طبيعة أوكوس أمنية، وهي بذلك تخطو خطوة ذكية في أسلوب معركتها الاقتصادية أمام بكين، ولا شك أن هذه الخطوة ستتبعها خطوات تنافسية مماثلة من الجانبين.

هناك أيضاً، تحالف البريكس وهو تحالف تجاري ضخم يضم كلاً من البرازيل وروسيا والهند والصين بالإضافة إلى جنوب أفريقيا، وهو تحالف مقلق جداً لواشنطن، حيث يعيش في هذا التكتل الاقتصادي حوالي نصف سكان العالم، كما يبلغ مجموع الاحتياطي النقدي الأجنبي لهذه الدول ما يقارب 4 تريليونات دولار، ولا تزال دول هذا التحالف تسعى عبر اجتماعات رئاسية منظمة لتطوير آلية العمل تجاه العملة الموحدة وأنظمة الدفع الإلكتروني، كما تسعى هذه المجموعة الاقتصادية إلى تأسيس منظومة تعاون نقدية متعددة المستويات فيما بينها، وترى مجلة إيكونوميست البريطانية أن دول بريكس إذا ما تخلت عن سدس احتياطاتها فقط، فيمكنها تأسيس صندوق مالي مشترك بحجم صندوق النقد الدولي، ولهذا نجد أن الصين ومن خلال هذا التكتل تسعى إلى الاستفادة من عضويتها المؤثرة داخل هذا الكيان لتدعيم موقفها أمام الولايات المتحدة.

أخبار ذات صلة

فلتتوقف الحكومات عن خفض أسعار البنزين!
الدور الرئيسي لإزالة الكربون واللامركزية والرقمنة في تحول قطاع الطاقة


تكتل الاتحاد الأوروبي غير بعيد أيضاً عن هذه الصراعات الدولية، فبعد قرار إلغاء صفقة باريس مع أسترالياً، فإن ردة الفعل الفرنسية ستكون منطقياً بإعادة ترميم الاتحاد الأوروبي لمواجهة التحالفات الدولية الجديدة، ونجاح هذه الخطوة سيعتمد على نظام وفكر الحكومة الألمانية الجديدة بعد مغادرة السيدة ميركل، فدون ألمانيا لا تستطيع فرنسا وحدها صناعة تحالف أوروبي قوي، فقد عانى الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة من إشكاليات اقتصادية ضربت العديد من دول الاتحاد، وساهمت بذلك في إضعاف حضوره الدولي، بالإضافة إلى قرار بريطانيا التاريخي بالانسحاب من عضويته، وهنا يظهر التساؤل الأهم عن شكل وصيغة الدور الذي سيقوم به التكتل الأوروبي أمام البريكس والأوكس، وهذا ما ستبديه الأيام المقبلة.

شاركوا بمقالاتكم المتميزة عبر: alsaha@alroeya.com