خالد الروسان

لا يوجد في الحقيقة إجماع بين المختصين على تعريف الطبقة الوسطى، لكن يُنظر عادة إلى حجم الدخل ومستوى الاستهلاك ونوعية السكن ودرجة التعليم والوظيفة والقدرة على الصمود في وجه المتغيرات وغيرها كمعايير في تعريفها، ومعظم من ينتمون إليها من الموظفين والعمال الفنيين والتجار الصغار وأصحاب المحال وغيرهم، وتكون دخولهم غالباً من العمل ولا توجد ثروات طائلة لمنتسبيها، ويُجمع الكثيرون على دورها المهم في استقرار الاقتصاد والسياسة والمجتمع؛ حيث يصفها البعض بأنّها مصدر الازدهار الاقتصادي وقيادة النمو والتقدم الفكري والابتكار في المجتمع، وهي الدافع الأكبر للضرائب والرسوم.

ويتفق معظم الخبراء على تراجع وانكماش الطبقة الوسطى عالمياً، فالباحث الفرنسي كريستوف غيلوي يقول: «إنّها لم تعد موجودة، فهناك طبقة ثرية وأخرى فقيرة»، وخلص تقرير حديث صادر عن مركز بيو للأبحاث إلى أن الطبقة الوسطى في أمريكا تزداد فقراً لصالح الأغنياء، وقد بلغت حصتها 27% من الدخل العالمي في التسعينات، و20% بعد الألفية الثانية، و15% عام 2011، وما زال التراجع مستمراً. لكن، ما هي أسباب تآكل هذه الطبقة عالمياً؟

في الواقع تتجه أصابع الاتهام إلى الرأسمالية والليبرالية الجديدة التي تُوصف بالمتوحشة، والعولمة التي أخضعت العالم اقتصادياً للأطراف الرأسمالية الكبرى في العالم، إضافة إلى سياسات أدواتها كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي واتفاقيات «الجات» وغيرها، وتركّز الثروات العالمية في أيدي فئة قليلة من الأفراد والجماعات.

أما في العالم العربي، فقد تحدّث الخبراء عن أنها على وشك التآكل والاختفاء، فبالإضافة إلى العوامل الخارجية سالفة الذكر، هناك عوامل داخلية أسهمت في حدوث ذلك، منها: عدم وضوح النظام الاقتصادي المطبّق رغم ميله للاقتصاد الرأسمالي، ووجود تشوهات هيكلية اقتصادية تطال معظم المجالات والقطاعات، وغياب التخطيط الاقتصادي والتنموي والإداري الناجح، وتراجع أدوار الدولة ورفع الدعم الحكومي وانتشار الخصخصة، عدا عن الفساد المالي والإداري، وارتفاع الرسوم والضرائب، واحتكار الثروات وغياب العدالة الاجتماعية في توزيعها، إضافة إلى قضية الاحتلالات والحروب والاضطرابات والاستهدافات الخارجية للمنطقة.. إلخ.

من هنا، فإن المختصين اليوم يحذّرون من خطر انهيار الطبقة الوسطى على المجتمعات في العالم، خاصة أن الرأسمالية والعولمة اللتين كانتا من أسباب ذلك، ما زالتا تُمعنان في الانقضاض عليها والتسبب في تآكلها.


أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»