أحمد المسلماني

في عام 2018 عينّت السيدة تريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا وزيرة لمكافحة الانتحار، وكان ذلك القرار جريئاً، فقد ألقى الضوء على نحو ستة آلاف منتحر سنوياً، وعلى تدهور متزايد في الصحة النفسية للبريطانيين.

وفي ذلك العام استضافت لندن «القمة العالمية للصحة النفسية»، وبذلك تحولت الحالة النفسية للبشر إلى شأن أممي، وبات من الضروري مكافحة الانهيار النفسي لملايين البشر حول العالم. فحسب الأمم المتحدة فإن نحو مليار إنسان يعانون من الاضطرابات النفسية متعددة المستويات، وفي كل عام توجد (800) ألف حالة انتحار، بمعدل حالة انتحار كل (40) ثانية!

إن التدهور النفسي للبشر ليس وليد الزمن المعاصر، ولا حتى هو وليد عصر الحداثة والصناعة، فلقد كان ذلك حاصلاً على مر التاريخ، وفي القرن الثامن الميلادي أسس الأمويون أحد أقدم المستشفيات النفسية في دمشق، وفي القرن التاسع الميلادي كان في القاهرة اثنان من أقدم وأهم المستشفيات النفسية في العالم: مستشفى ابن طولون، ومستشفى قلاوون.

لكن عصر الثورة الصناعية ضاعف أعداد المرضى النفسيين بكل تأكيد، ثم إن القرن الحادي والعشرين شهد زيادات غير مسبوقة في أعداد المرضى، ونهايات مؤسفة للكثيرين منهم.

لقد أدى عصر الإنترنت في بداياته إلى حالة من البهجة والمؤانسة، ذلك أنه يمكن تكوين أصدقاء جدد، واستعادة أصدقاء قدامى، وتبادل المعلومات والنكات، والقدرة على التواصل على مدار الساعة مع أعداد هائلة من المستخدمين.

ولكن تلك البهجة سرعان ما توارت أمام حجم الاضطراب النفسي الذي تسببه وسائل التواصل الاجتماعي. فقد انقسمت عائلات، وتفككت صداقات، وانهارت علاقات بسبب التعليقات والآراء المتصارعة. كما أصبح عدد كبير ممن يبدي رأياً، أو يقول شيئاً، يريد أن يسمع على الفور آيات الشكر والتقدير، وأصبح أشبه بمحاسب في شركة يقوم بإحصاء عدد التعليقات، وعدد «اللايكات»، ويقارن حجم الإعجاب هذه المرة بالمرات السابقة، وحجم الإعجاب على هذا الحساب بالحسابات الأخرى، وهو إذْ يجري ذلك الإحصاء، فإنه لا يتوقف أبداً، إذْ سرعان ما يبدأ العدّ من جديد مع كل جديد.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»


يواجه المديرون والمشهورون مشكلة أوضح في هذا الصدد، ذلك أن الخروج من المنصب، أو تراجع الشهرة تتبلور على الفور في تراجع أعداد «اللايكات».

في كل يوم يسأل ملايين الناس: أين لايكاتي؟ وهنا بداية الطريق نحو الاضطراب والخوف. يحتاج البشر إلى قوة نفسية هائلة فلا يكترثون لإعجاب، ولا ينزعجون لسباب، بل يجعلون شعارهم «أين سعادتي؟» لا «أين لايكاتي». السعادة من دون «لايك» هي الأرقى والأبقى.