د.عبدالخالق عبدالله

يختار الإعلامي القدير رائد برقاوي السؤال عنواناً لكتابه «من يجرؤ على الحلم»، ويتبعه بعد ذلك بسؤال آخر: كيف حوّل محمد بن راشد حلمه إلى حقيقة؟

ثم تتوالى الأسئلة في صفحات هذا الكتاب الشيق حول كيف استطاع الشيخ محمد بن راشد أن يحقق نجاحات تبدو مستحيلة بالمنطق التقليدي وفي السياق العربي وكيف حول دبي إلى مركز مالي وتجاري وسياحي عالمي؟

لا تتوقف أسئلة رائد برقاوي حتى آخر فصل بالسؤال عن مستقبل نموذج دبي والإمارات، وماذا يريد الشيخ محمد بن راشد على وجه الدقة؟ وما أحلامه التي لا تعرف الحدود.

رائد برقاوي، رئيس تحرير صحيفة الخليج الإماراتية شاهد وتابع عن قرب وعن كثب تطور الإمارات لنحو 40 سنةً، ولديه أجوبة عديدة ومقنعة لتساؤلاته لخصها على امتداد 181 صفحة في 7 عناوين كبرى قد تشفي غليل من يسأل كيف حول محمد بن راشد حلمه إلى حقيقة؟

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»

أول عنوان عريض يشير إليه هذا الكتاب القيم، هو فلسفة سموه الذي «سخر حياته لتحويل أفكاره إلى الواقع وإخراج الفكرة من نطاق الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل» فالشيخ محمد بن راشد كما يقول رائد جمع عدة صفات متميزة في شخص واحد.

هو أولاً، حاكم تسري أبجديات الحكم في جيناته وورث الحكم أباً عن جد وسيورثه بكل ثقة واطمئنان لأبنائه وأحفاده.

وهو ثانياً، شاعر مبدع ومتدفق في أشعاره ويرى أبعد من غيره ويذهب بخياله إلى أبعد حدود.

وهو ثالثاً، فارس مشهود له بالفروسية ويعشق التنافس وشغفه الفوز بالمركز الأول.

وهو علاوة على ذلك قائد عسكري لا يعرف الاستسلام وتدرب على الانضباط والحزم والدقة في اختيار جنوده وفرسانه وفريق عمله وفق أعلى درجات المهنية والمرونة والإبداع في خدمة الناس.

ومع كل ما سبق، رائد برقاوي يؤمن أن الشيخ محمد بن راشد فيلسوف ومفكر بقدر ما هو فارس وشاعر وحاكم جعل من الفكر عملاً ومنجزاً ضخماً على أرض الواقع كما جعل من العمل مخزناً مولداً للأفكار الجديدة.

ثاني عنوان عريض يتصدر صفحات كتاب رائد برقاوي هو الدعوة للحلم، وكلما كان الحلم مدهشاً وجسوراً ومتجاوزاً المعقول ومتحدياً المستحيل، كان ذلك متسقاً مع فلسفة من ذهب بدبي من المحلية إلى العالمية. حلم دبي لا يقتصر على اللحاق بالمدن المتقدمة والأمم المتحضرة بل أن تكون المدينة والدولة القدوة للدول والمدن من حولها. فلا يوجد ما يسعد هذا الحاكم والشاعر والفارس والمفكر من وجود عشر مدن عربية مثل دبي تخرج الإنسان العربي المحبط من حال اليأس والضياع وفقدان الأمل إلى دائرة الأمل والحلم وصنع مستقبل مختلف للعرب.

وثالث عناوين هذا الكتاب الذي صدر الأسبوع الماضي، وأعلن عن صدوره في حفل بهيج حضره شخصيات إعلامية وثقافية على هامش فعاليات مهرجان الإمارات للآداب في دورته الـ14 هو أنه يدعو للدهشة بقدر ما يدعو للحلم.

الدهشة مما تحقق على أرض الإمارات في ظرف 50 سنةً منذ بروزها كدولة اتحادية مستقلة، تسكن مؤلف هذا الكتاب ولا تفارقه. كم هو مدهش ما تحقق في دبي وما تحقق على أرض الإمارات خلال فترة زمنية قياسية.

تبدأ دهشة رائد برقاوي وهو يتابع صعود مسبار الأمل العربي الذي بلغ كوكب المريخ بنجاح في الساعات الأولى من صباح يوم العشرين من يوليو 2020، عندها اجتاح المؤلف الإحساس بالدهشة وهو يرى هذا الإنجاز وكأنه هو بشخصه «من صعد إلى المريخ» وكأن كل العرب حققوا هذا النصر العلمي.

أما رابع عنوان يوثقه كتاب رائد برقاوي فهو الثقة، فما يميز مدينة دبي ودولة الإمارات أنهما واثقتان من حاضرهما ومستقبلهما وتعرفان بالضبط أين ستكونان بعد عقدين أو أكثر من الآن. من يأتي إلى الإمارات ولا يشعر بحجم الثقة الكامنة في كل ركن وزاوية، وفي قلب كل مواطن ومقيم، وفي كل معلم وأيقونة، وفي كل مدينة وقرية، كأنه لم يعش الحالة الإماراتية ولم يتعرف على أهم ما يميز إمارات القرن الـ21 ولم يكتشف ما هو أعلى من برج خليفة.

الشيخ محمد بن راشد هو ينبوع الثقة في دبي التي تسابق الزمن وتتجسد في المشاريع العمرانية والمعرفية المليارية المدهشة، طرح رائد البرقاوي سؤالاً ذات يوم على قائد مسيرة التميز في دبي عن مغزى إطلاق المشاريع الكبرى في عز أزمات المنطقة ليسمع منه هذا الجواب:

وخامس عنوان عريض ينطق به كتاب «من يجرؤ على الحلم» له علاقة بالتفاؤل الذي هو من أهم سمات شخصية الشيخ محمد بن راشد، أينما حل ورحل وارتحل توشح سموه بروح التفاؤل الذي لا يفارقه في زمن اليسر وأكثر من ذلك في زمن العسر. حال قائد نهضة دبي حال مفكري النهضة الأوروبية الذين آمنوا إيماناً عميقاً بأن التاريخ يتجه إلى الإمام، وأن التاريخ يتقدم ولا يتأخر ولا ينتظر العالقين في الماضي.

قلب محمد بن راشد كما هو حال عقله مليء بالأمل ويفيض بالتفاؤل والإيجابية وينبذ التشاؤم والنظرة السوداوية التي أصبحت سمة من سمات الزمن العربي الذي لا يرى ضوءاً في نهاية النفق.

هذه النظرة السوداوية هي التي أخرجت العرب من التاريخ، والإمارات تحاول إعادة العرب إلى التاريخ، كما أنها تحاول إعادة التاريخ إلى العرب لتنهض الأمة وتستكمل مشروعها النهضوي والتنويري والحداثي الذي يصنع حالياً على أرض الإمارات مركز الثقل الحضاري العربي الجديد.

ويؤكد سادس عنوان ورد في كتاب «من يجرؤ على الحلم» على عبقرية الموقع والموضع أو ما يعرف بروح دبي المرتبطة بأمرين اثنين.

الأمر الأول يرتبط بالجهد الذي بذل لتحويل دبي إلى مطار العالم ومينائه، مستفيدة من موقعها الجغرافي الذي يربط الشرق بالغرب وآسيا بأوروبا، هذا الإنجاز ينسب إلى الشيخ راشد بن سعيد الأب المؤسس لدبي الحديثة طيب الله ثراه. أما الثاني - روح الموضع - فارتبط بالتعايش الفريد بين البشر في المدينة الذي عززه ورسخه الشيخ محمد بن راشد، فدبي قائمة على روح الانفتاح والتسامح والألفة والنظام والقانون والتواضع والاحترام والحس المدني والحريات الشخصية وطيبة شعبها. روح دبي أكثر ما يميز دبي.

قد تسعى مدن قريبة وبعيدة لتقليد واستنساخ ومحاكاة نموذج دبي لكن تبقى روح دبي لا تغادر الموقع والموضع.

أما سابع عنوان يتبحر فيه كتاب رائد برقاوي فقد أتى في صيغة سؤال: ما الذي يتوفر في الإمارات لكي تحقق شبه المعجزة في هذا الوقت القياسي؟

قد يستغرب البعض من الإجابة التي لخصها رائد برقاوي في جملة مفيدة ومختصرة واحدة تقول: ولم أجد من إجابة إلا في «الخيال». فقادة الإمارات يمتلكون خيالاً خصباً مثمراً لا يعرف المستحيل ولا يعترف به، أما الشيخ محمد بن راشد فقد فتح أبواب حديقة الخيال على مصراعيها، فهو يؤمن كما آمن أينشتاين بأن الخيال أهم من المعرفة.

يأتي الشاب العربي مندفعاً إلى الحلم الإماراتي و«الحلم الدُبَوي» ويشارك في صنع الاستقرار والازدهار، ويكتسب أعلى وأغلى شهادة في سيرته الذاتية هي شهادة خبرة العمل في دبي. شهادة خبرة دبي أصبحت توازي في قيمتها العملية الشهادة الصادرة من جامعة هارفارد وجامعة أوكسفورد.

الخيال والحلم والتفاؤل والثقة والدهشة وفلسفة آل مكتوم وروح دبي وموقعها وموضعها، هي من نعم الإمارات الكثيرة ومن أبرز معالم نموذج دبي وهي مفاتيح يذكرها ويفصلها ويوثقها كتاب من يجرؤ على الحلم للإجابة عن سؤال: كيف استطاع الشيخ محمد بن راشد أن يحقق نجاحات تبدو مستحيلة بالمنطق التقليدي وفي السياق العربي وكيف حول دبي إلى مركز مالي وتجاري وسياحي عالمي؟

هكذا تحدث رائد برقاوي عن الإمارات وعن دبي وعن الشيخ محمد بن راشد في كتابه الشيق والغني من يجرؤ على الحلم الذي جاء في الوقت المناسب ليشكل إضافة مهمة لمكتبة عربية متعطشة لدراسة نموذج الإمارات التنموي الملهم.

لا يخلو أي كتاب من المآخذ.. والمآخذ على كتاب من يجرؤ على الحلم قليلة وربما أكبر مأخذ ونقد أن رائد أفرط في الدهشة، خاصة في نهاية الكتاب، مدفوعاً بحبه العميق للإمارات، ولا يلام رائد على عشقه لوطنه الإمارات، فمن ذا الذي يعيش في الإمارات ولا يعشق الإمارات ويهيم في حبها.

صحيح أن دبي في قمة تألقها، والإمارات تعيش عصرها وفي عز مجدها وقوتها لكنها حتماً لم تبلغ الكمال. فلا يوجد عمل متكامل في المعنى والمبنى. فمن أقوال الشيخ محمد بن راشد «لا توجد حكومة كاملة ولا يوجد عمل من دون أخطاء»، كما أن أمام دبي والإمارات تحديات لا أول لها ولا آخر وهي تنطلق نحو الخمسين سنة المقبلة. لقد كان بإمكان الكتاب أن يشير لمواطن الضعف، كما توسع في ذكر مواطن القوة الكثيرة في نموذج الإمارات. فلا مفر من الصدق، والصديق هو من صدقك القول.

بعد مرور نحو 4 عقود على إقامته في الإمارات ما زال رائد برقاوي مسكوناً بالدهشة على مدار الساعة، وما زال يطرح السؤال كيف استطاع محمد بن راشد أن يجعل دبي قرطبة زمانها وامل شباب العرب وقبلة العالم.

يختتم رائد دهشته كما بدأ بعنوان الكتاب بسؤال المستقبل: أحياناً أسأل نفسي عن مستقبل دبي بعد عقدين أو 3 عقود؟ ماذا يريد الشيخ محمد بن راشد على وجه الدقة؟ ما أحلامه التي لا تعرف الحدود؟

وحده الشيخ محمد بن راشد وقادة الإمارات وفريق عملهم، يملك الإجابة عن سؤال مستقبل دبي والإمارات التي تسابق آمالها، وحان للدهر أن ينشد أحلامها.