مروان البلوشي

بعد سنوات طويلة من فتور العلاقات السياسية يعود الحوار بين الإمارات وتركيا مجدداً ومعه الأمل بعلاقة أفضل. هذا التحول من الخصومة إلى التفاهم ليس جديداً في تاريخ العلاقات الدولية. ألمانيا وفرنسا دخلتا في حروب دموية شرسة قبل أن يسود السلام بينهما ويوحدهما عدو مشترك هو الاتحاد السوفيتي، وحتى بلدان تجمعهما أطول حدود دولية غير محروسة في العالم، هما أمريكا وكندا، لم تخلُ علاقتهما من التوجس والخوف، لدرجة قيام الجيش الأمريكي برسم خطط غزو لكندا، قبل أن تهدأ العلاقات وتدخل الدولتان الحرب العالمية الثانية ومن ثم الحرب الباردة ضد أعداء مشتركين.

في الأمثلة التي ذكرتها، وغيرها الكثير، كانت هناك أسباب متعددة تقف وراء تعديل العلاقات بين هذه الدولة وتلك، إلا أن السبب الأبرز هو ظهور مصدر تهديد مشترك يجمع هذه البلدان فيدفعها لتسوية ونسيان خلافاتها.

عدو مشترك لأبوظبي وأنقرة!

الانعطافة الحاصلة في العلاقة بين أبوظبي وأنقرة أمر جيد ولها أسباب مختلفة، وحتى يستمر هذا التغير، أرى أنه على دوائر صنع القرار الدبلوماسي في البلدين، الوصول لقناعة فكرية بأن هناك عدواً مشتركاً يوحدهما، هذا العدو ليس دولة معينة بالضرورة، بل هو استمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة (رغم الهدوء النسبي في الشهور الأخيرة)، بشكل يؤثر على مصالح البلدين وحساباتهما المختلفة.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»

حالة عدم الاستقرار قد تتفاقم لمستوى غير مسبوق، مع دخول العالم إلى زمن النظام العالمي «متعدد الأقطاب»، وهذا يعني كثيراً من المنافسة والشك والتوجس بين الدول، بالإضافة لاحتمال اندلاع صدامات عسكرية كثيرة في غالبية أقاليم العالم، وما سيحصل في العالم ستطول تأثيراته سواحل منطقتنا، وإن بدرجات أقل.

ولأن الإمارات وتركيا دخلتا أخيراً في مرحلة تهدئة الأجواء وصياغة توجهات دبلوماسية جديدة، فسيكون من مصلحتهما الحفاظ على هذا الزخم مستمراً، ولا يوجد أفضل من ترسيخ القناعة بين نخبة صنع القرار في أبوظبي وأنقرة أن شرق أوسط غير مستقر لا يصب في مصلحة البلدين، وأنهما الأقدر على تأسيس تفاهم إقليمي، ومن الطبيعي أن يتم نقل هذه القناعة لنُخب أخرى في السعودية ومصر وقطر وبلدان أخرى، ولعل أولى الخطوات البسيطة التي من الممكن إطلاقها نحو هذا، هو تنظيم ملتقى أو مؤتمر (سمه ما شئت) في أبوظبي، يجمع بين أفراد من نُخب الإمارات وتركيا وبلدان أخرى في منطقتنا، لترسيخ ونشر القناعة بضرورة وجود عدو مشترك يهددنا جميعاً، وأن هذا العدو هو: إقليم شرق-أوسط غير مستقر، مليء بالتدخلات، أين تحاول فيه هذه الدولة أو تلك، تخريب موازين القوة بما يدفع لزيادة الشعور بالخطر والتهديد عند البقية.