علاء الدين حافظ

بدا الموقف الصيني من التصعيد العسكري الروسي في أوكرانيا مربكاً ومرتبكاً في آنٍ، بالنسبة للكثيرين. بكين وموسكو ترتبطان بعلاقات وثيقة في مختلف المجالات، وتتطور تلك العلاقات بخطى متسارعة نحو «التحالف». في المقابل العلاقات بين بكين والكتلة الغربية آخذة في تصاعد التوتر. منذ بداية الأزمة والصين وجدت نفسها أمام خيارين أحلاهما مر. الصين وفق المعطيات ستكون أقرب لروسيا من الغرب، وزاد من حجم هذا الاستنتاج امتناع الصين عن إدانة روسيا في مجلس الأمن، وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة توالياً. بكين رغم تحسبها لكل تصريح رسمي يصدر عنها، فإنها وضعت نفسها في نقطة أقرب لروسيا من الكتلة الغربية. غير أنه قبل أيام قليلة طلقت الصين تصريحاً أحدث نوعاً من الارتباك، تمثل في «الصين تدعو إلى احترام سيادة الدول»، وهو التصريح الذي عدّه البعض تحولاً في الموقف الصيني تجاه الأزمة.


الحقيقة أن هذا التصريح لم يكن موجهاً من بعيد أو قريب إلى روسيا، وإنما يستهدف في الأساس أمريكا. بمعنى.. الصين تعي أن صراعها الذي يلوح في الأفق مع الغرب سيكون حول «مفهوم سيادة الدول». من وجهة نظر بكين، فإن أمريكا تعد من أكثر دول العالم اتهاماً بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول، بالإضافة إلى عدم احترامها مفهوم سيادة الدول. ثانياً: الصين تتحضر لمعركة السيادة مع الغر ب فيما يتعلق بهونغ كونغ وتايوان. دعنا نفترض أن الصين انحازت للموقف الروسي، وذهبت في تصريحاتها تجاه أحقية الروس في ضم إقليمَي دونيتسك ولوهانسك، فإن الولايات المتحدة والناتو سيتخذان الموقف الصيني ذريعة لتكرار نفس السيناريو مع هونغ كونغ وتايوان. أمريكا في البداية تعلن اعترافها باستقلال هونغ كونغ وتايوان ثم تحرك أسطولها العسكري بدعوى الحماية مثلما فعلت روسيا في شرق أوكرانيا. فرغم التصريحات الصينية المتكررة عن الاختلافات الكبيرة بين دونيتسك ولوهانسك من جهة، وبين تايوان من جهة أخرى، حيث تعُدُّ بكين الأخيرة جزءاً لا يتجزأ من «الوطن الأم»، فإن بكين على يقين تام بأنها ستكون معركة المستقبل مع الغرب، لذا فإنها تنتهز فرصة الحرب الأوكرانية في إيصال رسائل مبطنة إلى الأطراف الفاعلة على الصعيد الدولي، وذلك عبر ما يصدر عنها من تصريحات دبلوماسية. ومن هنا تكمن أهمية قراءة ما وراء التصريحات في زمن الحروب، حتى تستطيع تكوين صورة كاملة حول الأزمة.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»